فصل: الضرب الثاني العرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الضرب الثانية النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية

وهي قسمان القسم الأول بلاد الثغور والعواصم وما والاها والمعتبر فيها ثمان نيابات الأولى - نيابة ملطية - ونيابتها طبلخاناه وتوليتها من الأبواب السلطانية‏.‏

الثانية - نيابة دبركي - وقد ذكر في التثقيف أنها تارة تكون طبلخاناه وتارة تكون عشرة وبكل حال فولايتها من نائب حلب‏.‏

الثالثة درندة - ونيابتها في الغالب إمرة عشرة وربما كانت طبلخاناه وولايتها في الحالتين من نائب حلب‏.‏

الرابعة - نيابة الأبلستين - ونيابتها تقدمة ألف من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف‏.‏

الخامسة - نيابة آياس - وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية - ونيابتها تقدمة ألف وتوليتها السادسة - نيابة طرسوس - ونيابتها تقدمة ألف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف‏.‏

السابعة - نيابة أذنة - ونيابتها تقدمة ألف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف‏.‏

الثامنة - نيابة سرفندكار - ونيابتها إمرة عشرة ووقع في التثقيف نقلاً عن ابن النشائي ما يقتضي أنها كانت أولاً طبلخاناه وبكل حال فولايتها من نائب حلب‏.‏

التاسعة - نيابة سيس - وقد تقدم أن فتحها قريب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ولم تزل نيابتها منذ فتحت تقدمة ألف وكانت قد جعلت نيابةً مستقلةً عند الفتح ثم جعلت بعد ذلك تقدمة عسكر كغزة إلا أن مقدم العسكر بها لا يكاتب في خلاص الحقوق بخلاف مقدم العسكر بغزة‏.‏

قلت‏:‏ وبعد ذلك نيابات صغار يولي بها نائب حلب أجناداً ولا مكاتبة لها من الأبواب السلطانية‏:‏ وهي نيابة قلعة باري كروك ونيابة كاروا ونيابة كولاك ونيابة كرزال ونيابة كومي ونيابة تل حمدون ونيابة الهارونيتين ونيابة قلعة نجمة ونيابة حميمص ونيابة قلعة لؤلؤة‏.‏

القسم الثاني ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقي الفرات والمعتبر فيها ثلاث نيابات الثانية - نيابة قلعة جعبر - ونيابتها طبلخاناه وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف‏.‏

الثالثة - نيابة الرها - قال في التثقيف‏:‏ وقد جرت العادة أن تكون نيابتها طبلخاناه ثم استقر بها في الدولة المنصورية في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدم ألف‏.‏

الصنف الثاني من أرباب السيوف في حلب الولاة وولايةجميعها من نائب حلب بتواقيع كريمة و المشهور منها اثنا عشرة ولاية الأولى - ولاية بر حلب كما في دمشق - إلا أن والي بر حلب هو والي الولاة‏.‏

الثانية - ولاية كفر طاب - وواليها جندي‏.‏

الثالثة - ولاية سرمين - وواليها في الغالب جندي وربما كان أمير عشرة‏.‏

الرابعة - ولاية الجبول - وواليها جندي‏.‏

الخامسة - ولاية جبل سمعان - وواليها جندي وهو مقيم بمدينة حلب يحضر المواكب مع والي المدينة ووالي البر‏:‏ لقربه منها‏.‏

السادسة - ولاية عزاز - وواليها جندي وربما كان أمير عشرة‏.‏

السابعة - ولاية تل باشر - وكان لها والٍ بمفردها جندي ثم أضيفت آخراً لعينتاب‏.‏

الثامنة - ولاية منبج - وواليها جندي‏.‏

التاسعة - ولاية تيزين - وهي تارة تفرد بوال يكون جندياً وتارة تضاف إلى حارمٍ ويقال والي حارم وتيزين‏.‏

العاشرة - ولاية الباب وبزاعا - وواليها جندي‏.‏

الحادية عشرة - ولاية دركوش - وواليها جندي‏.‏

الثانية عشرة - ولاية أنطاكية - وواليها تارة يكون جندياً وتارة أمير عشرة وأخبرني بعض كتاب السر بحلب أنها ربما أضيفت إلى نائب القصير‏.‏

قلت‏:‏ ووراء ذلك ولايات أخر ببلاد الأرمن ونحوها لم يتحرر لي حالها‏.‏

والظاهر أن ولاية جميعها أجناد‏.‏

النوع الثاني مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان واعلم أنه قد تقدم في الكلام على آل فضل من عربان دمشق أن منازلهم ممتدة بأراضي الشام إلى الرحبة وجعبر في جانب الفرات وتقدم في الكلام على قواعد الشام المستقرة نقلاً عن المقر الشهابي ابن فضل الله في التعريف أن جعبر كانت في زمانه من مضافات دمشق وأن الواجب أن تكون من مضافات حلب فإنها أضيفت بعده إلى حلب وحينئذ فيكون في بلاد حلب بعض عرب آل فضل المتقدم ذكرهم هناك‏.‏

القبيلة الأولى بنو كلاب قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهم عرب أطراف حلب والروم ولهم غزوات عظيمة معلومة وغاراتٌ لا تعد ولا تزال تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم ويتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش وهم عرب غزو ورجال حروب وأبطال جيوش وهم من أشد العرب بأساً وأكثرهم ناساً‏.‏

قال‏:‏ ولإفراط نكايتهم في الروم صنفت السيرة المعروفة بدلهمة والبطال منسوبة إليهم بما فيها من ملح الحديث ولمح الأباطيل ولكنهم لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم ولو انقادوا لأمير واحد لم يبق لأحد من العرب بهم طاقةٌ‏.‏

قال الحمداني‏:‏ وكان بنو كلاب قد ظهروا على آل ربيعة وذلك أن الملك الكامل كان طلب من ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر جمالاً يحمل عليها غلالاً إلى خلاط يقوتها بها فاحتج بغيبة جماله في البرية وكان بعض بني كلاب حاضراً فتكفل له بحاجته من الجمال ووفى له بذلك فحقد بها الملك الكامل على ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر واستوحشا منه ثم أتياه عند أخذه آمد فوبخهما فخرجا خائفين منه إلى أن فتح دمشق فأتياه بأنواع التقادم وتقربا إليه بالخدمة‏.‏

قال‏:‏ وكانت بنو كلاب تخدم الملك الأشرف موسى وتصحبه لمتاخمة بلاد الروم‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وكان سلطاننا يعني الناصر بن قلاوون لا يزال ملتفتاً إلى تألف بني كلاب هؤلاء وكان أحمد بن نصير المعروف بالتتري قد عاث في البلاد والأطراف واشتد في قطع الطريق فأمنه وخلع عليه وأقطعهفانقادت بنو كلاب للطاعة وكان الملك الناصر قد أمر عليهم سليمان بن مهنا وجعل عليه حفظ جعبر وما جاورها‏.‏

القبيلة الثانية - آل بشار - قال في مسالك الأبصار‏:‏ وديارهم الجزيرة والأخص بلاد حلب‏.‏

قال‏:‏ والأحلاف منهم حالهم في عدم الانقياد لأمير واحد حال بني كلاب‏.‏

ولو اجتمعوا لما أمن بأسهم نقيمٌ على تفرق كلمتهم وبسبب جماعتهم لا يزال آل فضل منهم على وجل وطالما باتوا وقلوبهم منهم ملأى من الحذر وعيونهم وسنى من السهر وبينهم دماء وهم وبنو ربيعة وبنو عجل جيران وديارهم من سنجار وما يدانيها إلى البارة أو قريب الجزيرة العمرية إلى أطراف بغداد‏.‏

النيابة الثالثة نيابة أطرابلس وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها أما معاملاتها فبالدنانير والدراهم النقرة على ما مر في الديار المصرية ودمشق وحلب وصنجتها كصنجة دمشق في الذهب والفضة وبها الفلوس العتق فلساً بدرهم ورطلها ستمائة درهم كما في دمشق وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية خمسون درهماً‏.‏

وتعتبر مكيلاتها بالمكوك كما في حلب ويقاس القماش بها بذراعٍ كل عشرة أذرع منه إحدى عشرة ذراعاً بالمصري وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وغيرها من البلاد الشامية وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية وخراجها على ما تقدم في دمشق وغيرها من بلاد الشام‏.‏

وأما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم على ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية وبها أمير واحد مقدم ألف غير النائب وباقي أمرائها طبلخاناه وعشرات وخمسات ومن في معناهم من العشرينات وغيرها وبها من وظائف أرباب السيوف نيابة السلطنة‏:‏ وهي نيابة جليلة نائبها من أكبر مقدمي الألوف وهو في الرتبة الثانية من حلب كما في حماة وليس بها قلعة يكون لها نائب بل نائب السلطنة هم المتسلم لجميعها والمتصرف فيما لديها من أمر العسكر وغيره‏.‏

ومنها الحجوبية وبها ثلاثة حجاب أكبرهم طبلخاناه وهو حاجب الحجاب والحاجبان الآخران كل منهما أمير عشرة‏.‏

ومنها المهمندارية وشد الدواوين وشد الخاص وشد مراكز البريد وشد المينا ونقابة النقباء وأميراخورية وشد الأوقاف وتقدمة البريدية وأميراخورية البريد وولاية المدينة وبها من أرباب الوظائف الديوانية ناظر المملكة وناظر الجيش وصاحب ديوان المكاتبات وولاية الثلاثة من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة وكتاب دست وكتاب درج ولايتهم من نائبها‏.‏

وبها من الوظائف الدينية قضاء القضاة من المذاهب الأربعة وقاضيا عسكر شافعي وحنفي ومفتيا دار عدل كذلك ومحتسبٌ ووكيل بيت المال إلى غير أولئك من أرباب الوظائف‏.‏

وأما ترتيب النيابة بها فإن النائب يركب في يومي الاثنين والخميس من دار النيابة ويخرج في موكبه من الأمراء والأجناد حتى يأتي ساحل البحر ثم يعود إلى دار النيابة ومعه جميع الأمراء والأجناد خلا الأمير المقدم فإنه لا يحضر معه إلى دار النيابة‏.‏

وإذا حضر النائب إلى دار النيابة جلس في دار العدل بصدر الإيوان وليس بها كرسي سلطنةٍ ويجلس قاضيان‏:‏ شافعي وحنفي عن يمينه ومالكي وحنبلي عن يساره ووكيل بيت المال تحت القاضي المالكي ويجلس كاتب السر أمامه على القرب من يساره وكتاب الدست خلفه وحاجب الحجاب جالس أمام النائب على القرب منه ويأخذ الحجاب الصغار القصص ويناولونها إلى حاجب الحجاب فيدفعها لكاتب السر ويفصل المحاكمات ثم ينفض المجلس ويمد السماط فيأكلون وينصرفون كما في الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وهو على ضربين الضرب الأول النواب وهم على قسمين القسم الأول النيابات بمضافات نفس أطرابلس وبها خمس نيابات كلهم يكاتبون عن الأبواب السلطانية في المهمات ونحوها دون خلاص الحقوق فإنه يختص بنائب السلطنة بها‏.‏

الأولى - نيابة حصن الأكراد - ونيابته إمرة عشرة‏.‏

الثانية - نيابة حصن عكار - ونيابته إمرة عشرة‏.‏

الثالثة - نيابة بلاطنس - ونيابتها إمرة عشرة‏.‏

الرابعة - نيابة صهيون - ونيابتها إمرة عشرة‏.‏

الخامسة - نيابة اللاذقية - ونيابتها إمرة عشرة‏.‏

القسم الثاني نيابات قلاع الدعوة وهي ست نيابات خارجاً عن مصياف حيث أضيفت إلى دمشق الأولى - نيابة الرصافة - وأصل نيابتها إمرة عشرة‏.‏

الثانية - نيابة الخوابي - وأصل نيابتها إمرة عشرة‏.‏

الرابعة - نيابة الكهف - وأصل نيابتها إمرة عشرة‏.‏

الخامسة - نيابة المنيقة - وأصل نيابتها إمرة عشرة‏.‏

السادسة - نيابة القلعة - وأصل نيابتها إمرة عشرة‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخبرني بعض كتاب المملكة أن هذه النيابات كلها استقر فيها أجناد وبالجملة فإنما يولي فيها نائب طرابلس بكل حال‏.‏

الضرب الثاني الولاة وبها ولاياتٌ ست وولاة جميعها أجناد عن نائب طرابلس‏.‏

الأولى ولاية أنطرطوس‏.‏

الثانية ولاية جبة المنيظرة‏.‏

الثالثة ولاية الظنيين‏.‏

الرابعة ولاية بشريه‏.‏

الخامسة ولاية جبلة‏.‏

السادسة ولاية أنفة‏.‏

النيابة الرابعة وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها أما معاملاتها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم وصنجتها كصنجة دمشق وحلب وطرابلس تنقص عن الصنجة المصرية كل مائة مثقال مثقالٌ وربع وكل مائة درهم درهم وربع ورطلها سبعمائة وعشرون درهماً بصنجتها ومكيلاتها معتبرة بالمكوك كما في حلب وبلادها ومكوكها مقدر كل مكوكين وربع مكوك غرارة بالدمشقي وقياس قماشها وقياس أرضها بذراع العمل المعروف‏.‏

الجملة الثانية في ترتيب نيابتها وهي على ضربين الضرب الأول ما بحاضرتها أما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم وبها عدة من أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومقدمي الحلقة وأجنادها وليس بها مقدم ألف‏.‏

وقد تقدم في الكلام على قواعد الشأم المستقرة أنها كانت بيد بقايا الملوك الأيوبية إلى آخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الأخيرة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ إن صاحبها كان يستقل فيها بإعطاء الإمرة والإقطاعات وتولية القضاة والوزراء وكتاب السر وسائر الوظائف بها وتكتب المناشير والتواقيع من جهته ولكنه لا يمضي أمراً كبيراً في مثل إعطاء إمرة أو وظيفة كبيرة حتى يشاور صاحب مصر وهو لا يجيبه إلا بأن الرأي ما تراه ومن هذا ومثله وربما كتب له مرسومٌ شريفٌ بالتصرف في مملكته‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ومع ذلك فصاحب مصر متصرف في ولاية صاحبها وعزله من شاء ولاه ومن شاء عزله ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن خلع الأفضل محمد بن المؤيد المتقدم ذكره من سلطنتها بعد موت السلطان الملك الناصر وملك ابنه أبي بكر ونائبها من أكابر الأمراء المقدمين ولكنه في الرتبة دون نائب طرابلس وإن كان مساوياً له في المكاتبة من الأبواب السلطانية ويظهر ذلك في كتابة المطلقات الكبار حيث يذكر نائب طرابلس قبله‏.‏

وبها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية وبها حاجبان‏:‏ الكبير منهما طبلخاناه والثاني عشرة والمهمندارية وبها اثنان وهما جنديان وشد مراكز البريد وبه جندي وأميراخورية البريد ومتوليها جندي وولاية المدينة وواليها جندي ونقابة العساكر وبها اثنان وهما جنديان أحدهما أكبر من الآخر‏.‏

وجميع أرباب الوظائف يوليهم النائب بها بتواقيع كريمة وليس بها قلعةٌ لها نائب‏.‏

وبها من الوظائف الدينية من أرباب الأقلام أربعة قضاة من المذاهب الأربعة وولايتهم من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة وقاضي عسكر حنفي وليس بها قضاة عسكر من المذاهب الثلاثة الأخر ولا مفتو دار عدل وبها وكيل بيت المال وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ووكالة شرعية ومحتسب بولايةٍ عن النائب بتوقيع كريم‏.‏

وبها من الوظائف الديوانية من أرباب الأقلام كاتب سر ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بصاحب ديوان المكاتبات بحماة المحروسة وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف وله أتباع من كتاب الدست وكتاب الدرج وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة وبها ناظر المملكة القائم مقام الوزير وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف وله أتباع من كتاب وشهود وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة‏.‏

إلى غير ذلك من وظائف صغارٍ يوليها النائب بتواقيع كريمة‏.‏

وترتيب الموكب بها أن النائب بها يركب من دار النيابة في يومي الخميس والاثنين وصحبته العسكر من الأمراء وأجناد الحلقة ويخرج إلى خارج المدينة من قبليها ويسير في الموكب إلى ضيعة تسمى بقرين على القرب من حماة ثم يعود في موكبه حتى يقف بسوق الخيل بمكان خارج المدينة يعرف بالموقف وينادى بينهم على الخيول وربما نودي على بعض العقارات ثم تصيح الجاويشية وينصرف عن ذلك المكان ويدخل المدينة ويأتي دار النيابة ويدخل أول العسكر من داخل باب يعرف بباب العسرة ثم يترجل الناس على الترتيب على قدر منازلهم حتى لا يبقى راكب سوى النائب بمفرده ولا يزال راكباً حتى يترجل بشباك بدار النيابة معد للحكم فيجلس فيه ويجلس عنده داخل الشباك القضاة الأربعة‏:‏ الشافعي والحنفي عن يمينه والمالكي عن يساره والحنبلي يليه ويجلس الأمراء على قدر منازلهم وكاتب السر وناظر الجيش أمام النائب خارج الشباك ويقف هناك الحاجبان والمهمندار ونقيب النقباء وترفع القصص فيقرؤها كاتب السر عليه ويرسم فيها بما يراه ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف القضاة ويدخل إلى قبة معدة لجلوسه ومعه كاتب السر وناظر الجيش والأمراء فيفصل بقية أموره مما يتعلق بالجيش وغيره ثم يمد السماط بعد ذلك فيأكلون وينصرفون‏.‏

الضرب الثاني ما هو خارج عن حاضرتها وليس بخارجها نيابات بل يقتصر فيه على ثلاث ولايات ولاتها أجناد يوليهم النائب بها‏.‏

الأولى ولاية برها كما في دمشق وحلب‏.‏

الثانية ولاية بارين‏.‏

الثالثة ولاية المعرة‏.‏

وليس بها عرب ولا تركمان تنسب إليها‏.‏

النيابة الخامسة نيابة صفد الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها أما معاملاتها فكما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية وصنجتها كصنجتها ورطلها‏.‏

وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية‏.‏

وتعتبر مكيلاتها‏.‏

وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها وتعتبر ارض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من البلاد الشامية‏.‏

وأما جيوشها ووظائفها الديوانية ووظائفها الدينية فكما في طرابلس‏.‏

وأما ترتيب النيابة بها‏.‏

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وليس بأعمالها نيابة بل كلها ولايات يليها أجناد من قبل نائب صفد وهي إحدى عشرة ولاية‏:‏ الأولى ولاية برها كما في غيرها من الممالك المتقدمة‏.‏

الثانية ولاية الناصرة‏.‏

الثالثة ولاية طبرية‏.‏

الرابعة ولاية تبنين وهونين‏.‏

الخامسة ولاية عثليث‏.‏

السابعة ولاية صور‏.‏

الثامنة ولاية الشاغور‏.‏

التاسعة ولاية الإقليم‏.‏

العاشرة ولاية الشقيف‏.‏

الحادية عشرة ولاية جينين‏.‏

النيابة السادسة نيابة الكرك وفيها جملتان الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها أما معاملاتها فكما في غيرها‏:‏ من المعاملة بالدنانير والدراهم وصنجتها ورطلها وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ويقاس قماشها بذراع وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من بلاد الشام وكذلك خراج أرضها‏.‏

وأما جيوشها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك من اجتماعها من الترك ومن في معناهم وبها من الأمراء الطبلخانات والعشرات والخمسات ومن في معناهم وليس بها مقدم ألف غير النائب كما تقدم والحجوبية والمهمنداية وتقدمة البريد وولاية القلعة وبها من الوظائف الديوانية ناظر المال وناظر الجيش وكاتب درج وولاية هؤلاء الثلاثة من الأبواب السلطانية‏.‏

وأما ترتيب الموكب بها‏.‏

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وهو على ضربين الضرب الأول الولايات وفيها أربع ولايات الأولى ولاية برها كما في غيرها‏.‏

الثانية ولاية الشوبك‏.‏

الثالثة ولاية زغر‏.‏

الرابعة ولاية معان‏.‏

  الضرب الثاني العرب

وعرب الكرك فيما ذكره في مسالك الأبصار‏:‏ بنو عقبة وعقبة من جذام‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وكان آخر أمرائهم شطى بن عتبة وكان سلطاننا الملك الناصر محمد بن قلاوون قد أقبل عليه إقبالاً أحله فوق السماكين وألحقه بأمراء آل فضل وأمراء آل مرا واقطعه الإقطاعات الجليلة والبسه التشريف الكبير وأجزل له الحباء وعمر له ولأهله البيت والخباء‏.‏

وكذلك ممن ينسب إلى عرب الكرك بنو زهير عرب الشوبك وآل عجبون والعطويون والصونيون وغيرهم‏.‏

  الفصل السادس من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الحجازية

وفيه ثمانية أطراف الطرف الأول في فضل الحجاز وخواصه وعجائبه أما فضله ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وفي ذلك دليل صريح لفضل الحجاز نفسه وذلك أن هواء كل بلد يؤثر في أهله بحسب ما يقتضيه الهواء ولذلك تجد لأهل كل بلد صفاتٍ وأحوالاً تخصهم وقد اخبر صلى الله عليه وسلم عن أهل الحجاز بالرقة كما أخبر عن أهل المشرق بالغلظة والجفاء وناهيك بفضل الحجاز وشرفه أن به مهبط الوحي ومنبع الرسالة وبه مكة والمدينة اللتين هما أشرف بلاد الله تعالى وأجل بقاع الأرض ولكل منهما فضل يخصه يأتي الكلام عليه عند ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما خواصه فيختص من جهة الشرع بأمرين‏:‏ أحدهما انه لا يستوطنه مشرك من ذمي ولا معاهد وإن دخله لم يمكن من الإقامة في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام ثم يصرف إلى غيره فإن أقام بموضع أكثر من ثلاثة أيام عزز إن لم يكن له عذر‏.‏

قال أصحابنا الشافعية‏:‏ ولو عقد الإمام عقداً لكافر على الإقامة بالحجاز على مسمىً بطل العقد ووجب المسمى‏.‏

الثاني أنه لا تدفن فيه موتاهم وإن دفن أحد منهم فيه نقل إلى غيره‏.‏

وأما عجائبه فمنها مقام إبراهيم عليه السلام وهو الحجر الذي كان يقوم عليه لبناء البيت فأثرت فيه قدماه وصار أثرهما فيه ظاهراً كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ فيه آياتٌ بيناتٌ مقام إبراهيم ‏"‏ وهو باق على ذلك أمام البيت من جهة الباب إلى الآن‏.‏

ومنها ما ذكره في الروض المعطار من أن أثر قدم إسماعيل عليه السلام بمسجدٍ بمنى في حجر فيه أثر عقبه حين رفس إبليس برجله عند اعتراضه له في ذهابه مع أبيه للذبح‏.‏

ومنها حصى الجمار وهو أنه في كل سنة يرمي الحجاج عند الجمرات الثلاث في أيام منى ما تتحصل منه التلال العظيمة على طول المدى ومع ذلك لم يكن موجوداً بمنى منها إلا الشيء القليل على تطاول السنين يقال إن مهما تقبل منها رفع والباقي منها ما لم يتقبل‏.‏

الطرف الثاني وابتداء عمارته وتسميته حجازاً أما حدوده فاعلم أن الحجاز عبارة عن مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها على خلاف في بعض ذلك يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وهو بجملته قطعةٌ من جزيرة العرب وهو ما بين بحر القلزم وبحر الهند وبحر فارس والفرات وبعض بادية الشام‏.‏

قال المدائني‏:‏ جزيرة العرب خمسة أقسام‏:‏ تهامة ونجدٌ والحجاز والعروض واليمن‏.‏

وزاد ابن حوقل في أقسامها بادية العراق وبادية الجزيرة فيما بين دجلة والفرات وبادية الشام وفيها خلاف يطول ذكره‏.‏

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات‏:‏ وسميت جزيرة العرب جزيرةً لانجزار الماء عنها حيث لم يمد عليها وإن كان مطيفاً بها‏.‏

والحجاز عندهم عبارة عن جبل السراة - بالسين والراء المهملتين - على ما أورده في الروض المعطار وضبط في تقويم البلدان في الكلام على البلقاء من الشأم بالشين المعجمة وهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل ببادية الشام وهو أعظم جبال العرب‏.‏

وحده من الجنوب تهامة‏:‏ وهي ما بينه وبين بحر الهند في غربي بلاد اليمن وحده من الشرق بلاد اليمن وهي بينه وبين فارس وحده من الشمال نجدٌ وهو ما بينه وبين العراق وحده من الغرب بحر القلزم وما في جنوبيه من بادية الشام‏.‏

في ابتداء عمارته وتسميته حجازاً أما ابتداء عمارته فإنه لنا انبث أولاد سام بن نوح عليه السلام وهم العرب في أقطار هذه الجزيرة حين قسم نوح الأرض بين بنيه نزل الحجاز منهم من العرب البادية طسمٌ وجديس ومنزلهم اليمامة ومنزلة جرهم على القرب من مكة فكان ذلك أول عمارة الحجاز بعد الطوفان ثم بادت هذه العرب وهلكوا عن آخرهم ودرست أخبارهم وانقطعت آثارهم‏.‏

وعمر الحجاز بعدهم جرهم الثانية وهم بنو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام‏.‏

ولما اسكن إبراهيم الخليل عليه السلام ولده إسماعيل بمكة كما أخبر تعالى عنه بقواه‏:‏ ‏"‏ ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ ‏"‏ كانت جرهم الثانية نازلين بالقرب من مكة فاتصلوا بإسماعيل عليه السلام وتزوج منهم وكثر ولده وتناسلوا فعمروا الحجاز إلى الآن‏.‏

وأما تسميته حجازاً فقال الأصمعي‏:‏ سمي بذلك لأنه حجز بين نجدٍ وتهامة ولامتداده بينهما على ما تقدم‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ سمي بذلك لما احتجز به من الجبال‏.‏

قلت‏:‏ ووهم في الروض المعطار فقال‏:‏ سمي حجازاً لأنه حجز بين الغور والشام وقيل لأنه حجز بين نجدٍ والسراة وما أعلم ما الذي أوقعه في ذلك‏.‏

في ذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة أما مياهه وعيونه فقال المتكلمون في المسالك والممالك‏:‏ ليس بالحجاز بل بجزيرة العرب جملةً نهرٌ يجري فيه مركب وإنما فيه العيون الكثيرة المتفجرة من الجبال المعتضدة بالسيول والأمطار الممتدة من وادٍ إلى وادٍ وعليها قراهم وحدائقهم وبساتينهم مما لا يحصى ذلك كثرةً كما في الطائف وبطن مر وبطن نخل وعسفان وبدرٍ وغير ذلك‏.‏

وأما جباله المشهورة فاعلم أن جميع ارض الحجاز جبال وأوديةٌ ليس فيها بسيط من الأرض وجباله أكثر من أن تدخل تحت العد أو يأخذها الحصر وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن لمكة اثني عشر ألف جبل لكل جبل منها اسم يخصه ولكن قد شهرت جبال مكة والمدينة والينبع‏.‏

فمن جبال مكة المشهورة جبل أبي قبيس وهو الجبل الذي في جنوبي مكة ممتداً على شرقيها‏.‏

قال الأزرقي‏:‏ وهو أول جبل وضع بالأرض ولذلك كان اقرب الجبال إلى البيت‏.‏

ومنها جبل قينقاع - بقاف مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مضمومة وقاف ثانية مفتوحة بعدها ألف وعين مهملة - وهو الجبل الذي غربي مكة سمي بذلك لمكان سلاح تبعٍ منه ومنها جبل حراءٍ - بحاء مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف - وهو جبل يشرف على مكة من شرقيها يرى البيت من أعلاه وفيه الغار الذي كان يتعبد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه جاءه جبريل عليه السلام في أول النبوة‏.‏

سومنها جبل ثورٍ - بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر - وهو جبل مشرف على مكة من جنوبيها وفيه الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

سومنها جبل تبيرٍ - بفتح التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر - وهو جبل مشرف يرى من منى والمزدلفة‏.‏

الطرف الخامس في زروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره أما زروعه ففيه من الحبوب المزدرعة البر والشعير والذرة والسلت وجميعها تزرع على المطر وربما زرع بعضها على ماء العيون والشعير والذرة اكثر الحبوب وجوداً ويزرع فيه على العيون البطيخ‏:‏ الأخضر والأصفر والقثاء والباذنجان والدباء والملوخيا والهندبا والفجل والكراث وأما فواكهه ففيه الرطب والعنب والموز والتفاح والسفرجل والليمون وغير ذلك‏.‏

وأما رياحينه ففيه التامرحناء ويسمى عندهم الفاغية‏:‏ بالفاء وغين معجمة وياء مثناة تحت وهاء في الآخر‏.‏

وأما مواشيه ففيه الإبل والضأن والمعز بكثرة والبقر بقلة‏.‏

وبه من الخيل ما يفوق الوصف حسنه ويعجز البرق إدراكه‏.‏

وأما وحوشه ففيه الغزلان وحمر الوحش والذئاب والضباع والثعالب والأرانب وغيرها‏.‏

وأما طيوره ففيه الحمام والدجاج والحدأة والرخم‏.‏

الطرف السادس في قواعده وأعماله وفيه ثلاث قواعد القاعدة الأولى مكة المشرفة وفيها جملتان في حاضرتها وقد ذكر العلماء رحمهم الله لها ستة عشرة اسماً‏.‏

مكة بفتح الميم وتشديد الكاف المفتوحة وهاء في الآخر‏.‏

كما نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ‏"‏ سميت بذلك لقلة مائها أخذاً من قولهم امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه وقيل لأنها تمك الذنوب بمعنى أنها تذهب بها ويقال لها أيضاً بكة بإبدال الميم باء موحدة‏.‏

وبه نطق القرآن أيضاً في قوله تعالى‏:‏‏:‏ إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة ‏"‏ قال الليث‏:‏ سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها والبك الدق وقيل بالميم الحرم كله وبكة المسجد خاصة حكاه الماوردي عن الزهري وزيد بن أسلم وقيل بالباء اسم لموضع الطواف سمي بذلك لازدحام الناس فيه والبك الازدحام‏.‏

ومن أسمائها أيضاً أم القرى والبلد الأمين وأم رحم بضم الراء وإسكان الحاء المهملتين لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون وصلاح مبني على الكسر كقطام ونحوه والباسة لأنها تبس الظالم أي تحطمه والناسة بالنون لأنها تنس الملحد فيها أي تطرده والنسناسة لذلك أيضاً والحاطمة لأنها تحطم الظالم كما تقدم والرأس وكوثى بضم الكاف وفتح المثلثة والقدس والقادس والمقدسة‏.‏

قال النوري‏:‏ وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ولذلك كثرت أسماء الله تعالى وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أنها من جملة الحجاز‏.‏

وحكى ابن حوقل عن بعض العلماء أنها من تهامة ورجحه في تقويم البلدان‏.‏

وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة‏.‏

قال في كتاب الأطوال‏:‏ طولها سبع وستون درجة وثلاث عشرة دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة‏.‏

وقال في القانون‏:‏ طولها سبع وستون درجة فقط وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة‏.‏

وقال في رسم المعمور‏:‏ طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون‏.‏

وقال كوشيار‏:‏ طولها سبع وستون درجة وعشر دقائق وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة‏.‏

وقال ابن سعيد‏:‏ طولها سبع وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة‏.‏

وهي مدينة في بطن وادٍ والجبال محتفة بها فأبو قبيسٍ مشرف عليها من شرقيها وأجيادٌ بفتح الهمزة مشرفٌ عليها من غربيها‏.‏

قال الجواهري‏:‏ سمي بذلك لموضع خيل تبع منه‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وسعتها من الشمال إلى الجنوب نحو ميلين ومن أسفل أجيادٍ إلى ظهر جبل قعيقعان مثل ذلك‏.‏

قال الكلبي‏:‏ ولم يكن بها منازل مبنية في بدء الأمر وكانت جرهم والعمالقة حين ولايتهم على الحرم ينتجعون جبالها وأوديتها ينزلون بها ثم جاءت قريش بعدهم فمشوا على ذلك إلى أن صارت الرياسة في قريش لقصي بن كلاب فبنى دار الندوة يحكم فيها بين قريش ثم صارت لمشاورتهم وعقد الألوية في حروبهم ثم تتابع الناس في البناء فبنوا دوراً وسكنوها وتزايد البناء فيها حتى صارت إلى ما صارت‏.‏

وبناؤها بالحجر وعليها سورٌ قديم قد هدم أكثره وبقي أثره والمسجد في وسطها‏.‏

وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن الكعبة كانت قبل أن تدحى الأرض رابيةً حمراء مشرفة على وجه الماء ولما اهبط الله آدم عليه السلام وجاء إلى مكة استوحش فانزل الله تعالى غليه قبةً من الجنة من درة بيضاء لها بابان فوضعت مكان البيت فكان يتأنس بها وجعل حولها ملائكة يحفظونها من أن يقع بصر الشياطين عليها‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وكان الحجر الأسود كرسياً يجلس عليه‏.‏

قال‏:‏ وطوله ذراع‏.‏

والذي ذكره الماوردي وغيره أن الملائكة لما قالوا‏:‏ ‏"‏ أتجعل فيها من يفسد فيها ‏"‏ لاذوا بالعرش خوفاً من غضب الله تعالى فطافوا حوله سبعاً فرضي عنهم وقال‏:‏ ابنوا في الأرض بيتاً يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم فبنوا هذا البيت وهو أول بنائه ثم بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبر الله تعالى بقوله‏:‏ ‏"‏ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ‏"‏ قال في الروض المعطار‏:‏ ولم يجعل لها سقفاً‏.‏

قال‏:‏ ثم انهدمت الكعبة فبنتها العمالقة ثم انهدمت فبناها قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل وجعل ارتفاعها خمساً وعشرين ذراعاً ثم استهدمت وكانت فوق القامة فأرادت قريشٌ تعليتها فهدمتها وبنتها والنبي صلى الله عليه وسلم عمره خمس وعشرون سنة وشهد بناءها معهم وكان بابها بالأرض فقال أبو حذيفة بن المغيرة‏:‏ يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا مسلم ففعلوا ذلك وسقفوها بخشب سفينة ألقاها البحر إلى جدة‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وكان طولها ثماني عشرة ذراعاً ثم احترق البيت حين حوصر ابن الزبير بمكة وتأثرت حجارته بالنار فهدمه ابن الزبير وأدخل فيه ستة اذرع من الحجر وقيل سبعة وجعل له بابين ملصقين بالأرض‏:‏ شرقياً وغربياً يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر وجعل على بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحه من ذهب‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وبلغ بها في العلو سبعاً وعشرين ذراعاً‏.‏

فلما قتل ابن الزبير كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج يأمره بإعادته على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من بناء قريش فهدم جانب الحجر وأعاده إلى ذلك وسد الباب الغربي ورفع الشرقي عن الأرض إلى حده الذي هو عليه الآن وكان عبد الملك بن مروان بعد ذلك يقول‏:‏ ‏"‏ وددت أني كنت حملت ابن الزبير من بناء الكعبة ما تحمل ‏"‏‏.‏

ثم جدد المتوكل رخام الكعبة فأزرها بفضة وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب وهو على ذلك إلى الآن‏.‏

وهو مبني بالحجر الأسود مستطيل البناء على التربيع في ارتفاع خمسة وعشرين ذراعاً‏.‏

وله أربعة أركان‏:‏ الثاني الشامي‏.‏

وهو ما بين الشرق والشمال سمي بذلك لمسامتته بعض بلاد الشام وداخله باب المطلع إلى سطح الكعبة‏.‏ الثالث الغربي‏.‏

وهو ما بين الشمال والغرب سمي بذلك لمسامتته بلاد المغرب ولو سمي بالمصري لكان جديراً به لمسامتته بلاد مصر‏.‏

الرابع اليماني‏.‏

وهو ما بين الغرب والجنوب سمي بذلك لمسامتته بلاد اليمن ولذلك خففت الياء في آخره نسبة إلى اليمن‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ سمي بذلك لأنه بناه رجل من اليمن يقال له ابن أبي سالم وقد يطلق عليه وعلى ركن الحجر الأسود اليمانيان وعلى الشامي والغربي الشاميان تغليباً‏.‏

ثم بين ركن الحجر الأسود وبين الركن الشامي أربعة وعشرون ذراعاً وبالقرب من الركن الأسود في هذا الجدار باب الكعبة على أربعة أذرع وشيء من الأرض يرقى أليه بدرج من خشب توضع عند فتح الباب والملتزم بين الركن الأسود و الباب الشرقي وبالقرب من الركن الشامي منه مصلى آدم عليه السلام‏.‏

وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات‏:‏ س الأولى من الركن الأسود إلى باب الكعبة‏.‏

وهي في جهة القبلة لأهل البصرة والأهواز وفارس الثانية من الباب إلى مصلى آدم عليه السلام‏.‏

وهي جهة القبلة لأهل الكوفة وبغداد وحلوان والقادسية وهمذان والري ونيسابور ومرو وخوارزم وبخارا ونسا وفرغانة والشاش وخراسان وما على سمت ذلك‏.‏

الثالثة من مصلى آدم عليه السلام إلى الركن الشامي‏.‏

وهي جهة القبلة لأهل الرها والموصل وملطية وشمشاط والحيرة وسنجار ودياربكرٍ وأرمينية إلى باب الأبواب وما على سمت ذلك‏.‏

وبين الركن الشامي والركن الغربي أحدٌ وعشرون ذراعاً وبأعلى هذا الجدار الميزاب في الوسط منه وخارجه الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم مستديراً به على سمت الركنين يفصل بينه وبين البيت فرجتان‏.‏

وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات أيضاً‏:‏ الأولى من الركن الشامي إلى دون الميزاب‏.‏

وهي جهة القبلة لدمشق وحماة وسلمية وحلب ومنبج وميافارقين وما سامت ذلك‏.‏

الثانية وسط الجدار من الميزاب وما إلى جانبه‏.‏

وهي جهة القبلة للمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وجانب الشام الغربي وغزة والرملة وبيت المقدس وفلسطين وعكا الثالثة ما يلي هذه الجهة إلى الركن الغربي‏.‏

وهي جهة القبلة لمصر بأسرها من أسوان إلى دمياط والإسكندرية وبرقة وكذلك طرابلس الغرب وصقلية وسواحل الغرب والأندلس وما على سمت ذلك‏.‏

وبين الركن الغربي والركن اليماني في هذا الجدار الباب المسدود تجاه الباب المفتوح‏.‏

وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات أيضاً‏:‏ الأولى من الركن الغربي إلى ثلث الجدار‏.‏

وهي جهة القبلة لأهل الشمال من بلاد البجاوة والنوبة وأوسط الغرب من جنوب الواحات إلى بلاد الجريد إلى البحر المحيط وما على سمت ذلك من عيذاب وسواكن وجنوب أسوان وجدة ونحو ذلك‏.‏

الثانية من ثلث الجدار إلى دون الباب المسدود‏.‏

وهي جهة القبلة لأهل الجنوب من بلاد البجاوة ودهلك وسواكن والنوبة والتكرور وما وراء ذلك وعلى سمته‏.‏

الثالثة من دون الباب المسدود إلى الركن اليماني‏.‏

وهي جهة القبلة لأهل الحبشة والزنج والزيلع وأكثر بلاد السودان وما والاها من البلاد أو كان على سمتها‏.‏

وبين الركن اليماني وركن الحجر الأسود عشرون ذراعاً أنقص من مقابله بذراع وبالقرب من ركن الحجر الأسود من هذا الجدار مصلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة‏.‏

الأولى الركن اليماني إلى سبعة أذرع من الجدار‏.‏

وهي جهة القبلة لتدمر وحضرموت وعدن وصنعاء وعمان وصعدة والشحر وسبإ وزبيد وما والاها أو كان على سمتها‏.‏

الثانية من حد الجهة المتقدمة إلى دون مصلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة‏.‏

وهي جهة القبلة لجنوب بلاد الصين والسند والتهائم والبحرين وما سامت ذلك‏.‏

الثالثة من مصلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى ركن الحجر الأسود‏.‏

وهي جهة القبلة لأهل واسط وبلاد الصين والهند والمرجان وكابل والقندهار‏.‏

والمعبر وما والاها من البلاد أو كان على سمتها‏.‏

ويقابل الجدار الشرقي من البيت مما يلي ركن الحجر الأسود زمزم وسقاية العباس ويقابله مما يلي الركن الشامي مقام إبراهيم عليه السلام‏.‏

وقد تقدم الكلام عليه في عجائب الحجاز فيما مر ويسمى ما بين الكعبة وزمزم والمقام الحطيم بالحاء والطاء المهملتين‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ سمي بذلك لأنه كان من لم يجد من الأعراب ثوباً من ثياب أهل مكة يطوف فيه رمى ثيابه هناك وطاف عرياناً‏.‏

وخارج المسجد الصفا والمروة اللذان يقع السعي بينهما‏.‏

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها الضرب الأول الحرم ومشاعر الحج الخارجة عن مكة أما الحرم فهو ما يطيف بمكة مما يحرم صيده وقطع شجره وحشيشه ونحو ذلك وقد تقدم أن الله تعالى جعل ملائكة يحرسون القبة التي أنزلها الله تعالى إلى آدم من الجنة ووضعت له مكان الكعبة وجعلت الملائكة حرساً لها كي لا يقع عليها بصر الشياطين فكانت مواقف الملائكة هي حدود الحرم‏.‏

قال ابن حوقل‏:‏ وليس بمكة والحرم شجر يثمر غلا شجر البادية أما خارج الحرم ففيه عيون وثمار‏.‏

واعلم أن مقادير جهات الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة وعلى حدوده أعلام منصوبة في كل جهة تدل عليه‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ قال الزبير‏:‏ وأول من وضع علامات الحرم ونصب العمد عليه عدنان بن أد خوفاً من أن تندرس معالم الحرم أو تتغير‏.‏

قال‏:‏ وحده من التنعيم على طريق سرفٍ إلى مر الظهران خمسة أميال وذكر في موضع آخر أنها ستة أميال وحده من طريق جدة عشرة أميال ومن طريق اليمن ستة أميال ودوره سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلاً‏.‏

ثم بحدود هذا الحرم أماكن مشهورة يخرج إليها من مكة من أراد أن يهل بعمرة فيحرم منها‏.‏

أحدها التنعيم - بألف ولام لازمتين وفتح التاء المثناة فوق وسكون النون وكسر العين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر - وهو موضع على حد الحرم على طريق السالك من بطن مر وإلى مكة‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وسمي التنعيم لأن الجبل عن يمينه اسمه نعيم والذي عن يساره اسمه ناعمٌ والوادي الذي هو فيه اسمه نعمان ومنه اعتمرت عائشة رضي الله عنها مع عبد الرحمن بن أبي بكر وهناك مسجدٌ يعرف بمسجد عائشة إلى الآن‏.‏

الثاني الحديبية - بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء المثناة تحت وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المشددة وفي آخرها تاء - ونقل في الروض المعطار عن الأصمعي تخفيف الياء الثانية‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهو موضع بعضه في الحل وبعضه في الحرم وفيه صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت وهي أبعد أطراف الحرم عن البيت وهي على مسيرة يوم وهي في مثل زاوية للحرم‏.‏

وذكر في الروض المعطار أن الحديبية اسم لبئر في ذلك المكان ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من التنعيم‏.‏

الثالث الجعرانة - بكسر الجيم والعين المهملة وفتح الراء المهملة المشددة بعدها ألف ونون مفتوحة وهاء في الآخر - ونقل في الروض المعطار عن الأصمعي سكون العين وتخفيف الراء‏.‏

قال‏:‏ وهو مكان بين مكة والطائف ولكنه إلى مكة أقرب ومنه أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة في وجهته تلك ومذهب الشافعي أن العمرة منه افضل من الحديبية‏.‏

وأما مشاعر الحج الخارجة عن مكة فثلاثة‏:‏ أحدها منىً بكسر الميم وفتح النون وألف مقصورة - سميت بذلك لما يمنى فبها من الدماء أي يراق‏.‏

قال في المشترك‏:‏ وبينها وبين مكة ثلاثة أميال - وهي تشبه القرية مبنيةٌ على ضفتي الوادي‏.‏

وبها مسجد الخيف - بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفي آخرها فاء - وهو مسجد عظيم متسع الأرجاء بغير سقف‏.‏

الثاني المزدلفة - بضم الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وكسر اللام وفتح الفاء وآخرها هاء - وهي موضع على يسرة الذاهب من منىً إلى عرفة‏.‏

قال النووي‏:‏ سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفاتٍ ازدلفوا إليها أي تقربوا ومضوا إليها وتسمى جمعاً أيضاً بفتح الجيم وسكون الميم وعين مهملة - لأنه يجمع بها بين المغرب والعشاء وبها مسجد متسع‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ طوله ثلاثة وستون ذراعاً وعرضه خمسون ذراعاً وارتفاع جداره عشرة أذرع‏.‏

الثالث عرفة - بفتح العين والراء المهملتين والفاء وهاء في الآخر - ويقال فيه أيضاً عرفاتٌ على الجمع وبه جاء القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فإذا أفضتم من عرفاتٍ ‏"‏ وهو موقف الحج وسمي عرفات لتعارف آدم عليه السلام وحواء به‏.‏

قال كعب الأحبار‏:‏ أهبط آدم عليه السلام بالهند وحواء بعرفة وإبليس بجدة والحية بأصبهان وأمر الله تعالى آدم بحج البيت فحج فكان حيث الضرب الثاني قراها ومخاليفها واعلم أن أكثر جبال مكة وأوديتها مسكونة معمورة إلا أنه ليس بها قرية مقراة غلا حيث المياه والعيون الجارية والحدائق المحدقة والمشهور من ذلك عشرة أماكن‏:‏ الأول جدة - بضم الجيم وتشديد الدال المهملة ثم هاء - وهي فرضة مكة على ساحل بحر القلزم وموقعها في أول الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة وهي في الغرب عن مكة بميلة إلى الشمال‏.‏

قال في الأطوال‏:‏ طولها ست وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة‏.‏

ووافقه على ذلك في القانون‏.‏

وقال في رسم المعمور‏:‏ طولها خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها على ما تقدم‏.‏

وهي مينا عظيمة محل حط وإقلاع إليها تنتهي المراكب من مصر واليمن وغيرهما وعنها تصدر من مكة‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي من مكة على مرحلتين‏.‏

وقال الإدريسي‏:‏ بينهما أربعون ميلاً وهي ميقات من قطع البحر من جهة عيذاب إليها‏.‏

الثاني بطن نخلٍ وضبطه معروف ويقال فيه أيضاً وادي نخلة على التوحيد ونخلة بإسقاط لفظ وادي‏.‏

قال الجواهري‏:‏ وبه كانت العزى التي هي أحد طواغيت قريشٍ وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها خالد بن الوليد فهدمها وهي الآن بيد هذيلٍ وهي قرىً مجتمعة ذات عيون وحدائق ومزدرع‏.‏

أخبرني بعض أهل الحجاز أن بها نحو أربعة عشر نهراً على كل نهر قرية وغالب فواكه مكة وقطانيها وبقولها منها ومنها يصب الماء إلى بطن مر الآتي ذكره‏.‏

الثالث الطائف - بألف ولام لازمتين فطاء مهملة مشددة مفتوحة بعدها ألف وياء مثناة تحت مكسورة ثم فاء - وهو بلد شرقي بطن نخل المتقدم ذكرها وبطن نخل بينه وبين مكة‏.‏

قيل سميت الطائف لأنها في طوفان نوح انقطعت من الشام وحملها الماء وطافت بالأرض حتى أرست في هذا الموضع‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ اسمها القديم وج يعني بواو مفتوحة وجيم مشددة - سميت برجل من العمالقة ثم سكنها ثقيف فبنوا عليها حائطاً مطيفاً بها فسميت الطائف قال‏:‏ وهي إحدى القريتين المذكورتين في قوله تعالى‏:‏‏:‏ وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجلٍ من القريتين عظيم ‏"‏‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي من الحجاز تقريباً وموقعها في أوائل الإقليم الثاني‏.‏

وقال ابن سعيد‏:‏ طولها ثمان وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وهو بلد خصيب كثير الفواكه المختلفة مما يشابه فواكه الشام وغيرها وهي طيبة الهواء إلا أنها شديدة البرد حتى إنه ربما جمد الماء بها لشدة بردها‏.‏

الرابع بطن مر بفتح الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة ونون بعدها ثم ميم مفتوحة وراء مهملة مشددة - وهو وادٍ من أودية الحجاز في الشمال عن مكة على مرحلة منها على طريق حجاج مصر والشام‏.‏

قال في الأطوال‏:‏ طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي بقعة بها عدة عيون ومياه تجري ونخيل كثير والنخل والمزدرع متصل من وادي نخلة إليها‏.‏

وذكر غيره أن بها نحو أربعة وعشرين نهراً على كل نهر قرية ومنها تحمل الفواكه والبقولات إلى مكة كما تحمل من نخلة والطائف وهي بيد بني حسن أمراء مكة‏.‏

الخامس الهده - بألف ولام ثم هاء ودال مهملة مفتوحتين وهاء ساكنة في الآخر - وهو وادٍ على القرب من بطن مر على مرحلة ونصف من مكة به أربعة عشر نهراً على كل نهر قرية وهي بيد بني جابر‏.‏

السادس عسفان - بضم العين وسكون السين المهملتين وفتح الفاء ثم ألف ونون - وهو وادٍ معروف على طريق حجاج مصر على ثلاث مراحل من مكة كان بها حدائق ومياه تنصب إليها من الهده المذكورة وهي الآن خراب ليس بها عمارة‏.‏

السابع البرزة - بألف ولام ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وهاء في الآخر - وهي وادٍ بالقرب من عسفان على مرحلتين من مكة به أربعة عشر نهراً على كل نهر قرية وهي الآن بيد بني سلول وبني معبدٍ بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الباء الثامن خليصٌ - بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة تحت والصاد المهملة - وهو وادٍ على طريق حجاج مصر على أربع مراحل من مكة به نحو تسعة أنهر على كل نهر قرية‏.‏

التاسع وادي كلية - بضم الكاف وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر - وهو وادٍ بالقرب من خليصٍ به نحو سبعة أنهر على كل نهر قرية وكان بيد سليم وقد خرب من مدة قريبة بعد الثمانين والسبعمائة‏.‏

العاشر مر الظهران - بفتح الميم وتشديد الراء المهملة ثم ألف ولام وظاء معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف ونون - وهو موضع بينه وبين مكة نحو ستة عشر ميلاً وهو الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلحه مع قريش كان به ضياع كثيرة وهو الآن خراب‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وبه حصن كبير كان يسكنه شكر بن الحسن بن علي بن جعفر الحسني يعني أمير مكة الآتي ذكره في جملة أمرائها‏.‏

الطرف السابع في ذكر ملوك مكة وهم على ضربين ملوكها قبل الإسلام اعلم أن مكة بعد الطوفان كان ملكها في عاد وكان بها منهم معاوية بن بكر ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وكان مع معاوية بن بكر وهو عادٌ الآخرة فيما يقال يعرب ثم غلبهم العمالقة عليها‏.‏

فلما غلب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أفخشذ بن سام بن نوح عادا على اليمن وفرق ملك اليمن في إخوته استولى على الحجاز وأخرج العمالقة منه وولى أخاه جرهم بن قحطان على الحجاز فبقي به حتى مات‏.‏

فملك بعده ابنه عبد ياليل‏.‏

ثم ملك من بعده ابنه جرهم ثم ملك بعده ابنه عبد المدان ثم ملك بعده ابنه بقيلة ثم ملك بعده ابنه عبد المسيح ثم ملك بعده ابنه مضاضٌ ثم ملك بعده ابنه الحرث ثم ملك بعده ابنه عمرو ثم ملك بعده أخوه بشر بن الحرث ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن مضاضٍ‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وجرهم هذه هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم وكانت قبلهم جرهم أخرى مع عادٍ‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وفي ذلك يقول عمرو بن الحرث بن مضاضٍ وهو التاسع من ملوك جرهم المتقدم ذكرهم‏:‏ وصاهرنا من أكرم الناس والداً فأبناؤه منا ونحن الأصاهرة قال صاحب حماة في تاريخه‏:‏ وقد اختلف المؤرخون في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إسماعيل فبعضهم يقول‏:‏ كان الملك في جرهم ومفاتيح الكعبة وسدانتها في يد ولد إسماعيل وبعضهم يقول‏:‏ إن قيدار بن إسماعيل توجته أخواله من جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز‏.‏

وأما سدانة البيت ومفاتيحه فكانت مع بني إسماعيل بلا خلاف حتى انتهى ذلك إلى نابتٍ من ولد إسماعيل فصارت السدانة بعده لجرهم ويدل على ذلك قول عمرو بن الحارث‏:‏ وكنا ولاة البيت من بعد نابتٍ نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر وذكر في الروض المعطار‏:‏ أنه كان مع جرهم بمكة قطورا وجرهم وقطورا أخوان وكان منزل جرهم أعلى مكة بقعيقعان فما حاز ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز وانتهت رياسة قطورا في زمن مضاض بن عبد المسيح المتقدم ذكره إلى السميدع وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها والسميدع يعشر من دخلها من أسفلها ثم بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك واقتتلوا فقتل السميدع واستقل مضاض بالأمر وبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة فأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها واستحلوا حرمها وبلغ من أمرهم أن الرجل إذا لم يجد مكاناً يزني فيه الكعبة فزنى فيها ولم يتناهوا حتى يقال إن إساف بن سهيل زنى بنائلة بنت عمرو بن ذؤيب في جوف الكعبة فمسخا حجرين ونضب ماء زمزم لكثرة البغي ودرست معالمها ثم جاء عمرو بن لحي فغير دين إبراهيم عليه السلام وبدله وبعث العرب على عبادة التماثيل وعمر ثلثمائة سنة وخمساً وأربعين سنة وبلغ من الولد وولد الولد ألفين‏.‏

ثم صارت سدانة البيت ومفاتيحه إلى خزاعة بن الأزد من بني كهلان بن سبإٍ من العرب العاربة وكانت منازلهم من حين تفرق عرب اليمن بسبب سيل الرم ببطن مر على القرب من مكة وصارت لهم الرياسة بسدانة البيت وبقيت السدانة بيدهم إلى أن انتهت إلى أبي غبشان‏:‏ سليمان بن عمرو الخزاعي في زمن بهرام جور بن يزدجرد من ملوك الفرس ورئيس قريش يومئذ قصي بن كلابٍ فاجتمع قصي مع أبي غبشان على شرابٍ بالطائف فلما سكر أبو غبشان اشترى قصي سدانة البيت بزق خمر وتسلم مفاتيحه وأشهد عليه بذلك وأرسل ابنه عبد الدار بها إلى البيت فرفع صوته وقال‏:‏ يا معشر قريش هذه المفاتيح‏:‏ مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم من غير عارٍ ولا ظلم‏.‏

فلما صحا أبو غبشان ندم حيث لا ينفعه الندم‏.‏

ويقال ‏"‏ أخسر من صفقة أبي غبشان ‏"‏ وأكثر الشعراء القول في ذلك حتى قال بعضه‏:‏ باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمرٍ فبئست صفقة البادي باعت سدانتها بالنزر وانصرفت عن المقام وظل البيت والنادي ولما وقع ذلك عدت خزاعة على قصي فظهر عليهم وأجلاهم عن مكة وكان بمكة عرب يجيزون الحجيج إلى الموقف وكان لهم بذلك رياسة فأجلاهم قصي عن مكة أيضاً وانفرد بالرياسة‏.‏

قال العسكري في الأوائل‏:‏ وكان أول من نال الملك من ولد النضر بن كنانة‏.‏

ولما تم لقصي ذلك بنى دار الندوة بمكة فكانت قريش تقضي فيها أمورها فلا تنكح ولا تشاور في أمر حرب ولا غيره إلا فيها ولم تزل الرياسة فيه وفي بنيه بعد ذلك‏.‏

فولد له من الولد عبد منافٍ وعبد الدار وعبد العزى‏.‏

ثم انتقلت الرياسة العظمى بعد ذلك لبني عبد منافٍ وكان له من الولد هاشمٌ وعبد شمسٍ والمطلب ونوفلٌ وكان هاشم أرفعهم قدراً وأعظمهم شأناً وإليه انتهت سيادة قومه وكانت إليه الرفادة وسقاية الحجيج بمكة وكانت قريش تجاراً وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها فخرج هاشم إلى الشام حتى نزل بقيصر ملك الروم فسأله كتابة أمانٍ لتجار قريش فكتب له كتاباً لكل من مر عليه فخرج هاشم فكلما مر بحي من العرب أخذ من أشرافهم أماناً لقومه حتى قدم مكة فأتاهم بأعظم شيء أتوا به قط بركةً فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم حتى أوردهم الشام وخرج أخوه المطلب إلى اليمن فأخذ لهم أماناً كذلك وخرج أخوهم نوفلٌ إلى كسرى ملك الفرس فاخذ لهم منه أماناً‏.‏

وكانت قريش يرحلون في الشتاء للشام وفي الصيف لليمن واتسعت معايشهم بسبب ذلك وكثرت أموالهم حتى امتن الله عليهم بذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ لئيلاف قريشٍ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ‏"‏ والإيلاف الأمان‏.‏

وأما سدانة البيت ومفاتيحه فبقيت بيد بني عبد الدار بن قصي المتقدم ذكره من حين تسليمها عبد الدار عند أخذها من أبي غبشان الخزاعي حتى صارت لبني شيبة من بني عبد الدار وانتهت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة ابن عبد الدار‏.‏

فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال‏:‏ لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذه منه وفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ‏"‏ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه فقال عثمان‏:‏ أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال له علي‏:‏ لقد انزل الله تعالى في شأنك قرآناً وقرأ عليه الآية فقال عثمان‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن السدانة في أولاد عثمان أبداً فهي باقية فيهم إلى الآن‏.‏

ملوكها في الإسلام وهم على طبقات الطبقة الاولى عمال النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون هاجر منها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل وفاته وحج حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة وتوفي سنة إحدى عشرة من الهجرة وعلى مكة عثمان بن أسيد وتوالت عليها عمال الخلفاء بعده إلى آخر أيام الحسن بن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه‏.‏

الطبقة الثانية عمال بني أمية من لدن معاوية رضي الله عنه إلى انقراضهم ثم ولى عليها معاوية بن أبي سفيان في خلافته في سنة اثنتين وأربعين من الهجرة خالد بن العاص بن هشام ثم أضيفت إلى عمال المدينة إلى أيام الوليد ابن عبد الملك فكان من وليها منهم الوليد بن عتبة ثم عمرو بن سعيد الأشدق ثم الوليد بن عتبة ثانياً ثم مصعب بن الزبير من جهة أخيه عبد الله بن الزبير لما بويع له بالخلافة ثم جابر بن الأسود ثم طلحة بن عبد الله بن عوف ثم طارق بن عمرو بن عثمان ثم الحجاج بن يوسف الثقفي ثم أبان بن عثمان ثم هشام بن إسماعيل المخزومي ثم عمر ابن عبد العزيز‏.‏

ثم افردها الوليد بن عبد الملك عن المدينة وولى عليها خالد بن عبد الله القسري بعد عمر بن عبد العزيز ثم وليها عبد العزيز بن خالد بن أسيدٍ أيام سليمان بن عبد الملك ثم عزله يزيد سنة ثلاث ومائة وأضافها مع المدينة إلى عبد الرحمن بن الضحاك ثم عزله عن مكة والمدينة لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه عبد الواحد النضري ثم عزله هشام بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه على مكة والمدينة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه على مكة والطائف دون المدينة محمد ابن هشام المخزومي ثم ولى الوليد بن زيد في خلافة خاله يوسف بن محمد الثقفي على مكة مع سائر أعمال الحجاز ثم ولى مروان على مكة وبر الحجاز عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثم عزله في سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على مكة والحجاز عبد الواحد ثم توالت عليها عمال بني أمية إلى أن انقرضت دولتهم‏.‏

عمال بني العباس وأولهم أبو العباس السفاح فولى عليها وعلى المدينة وسائر الحجاز عمه داود ثم توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد بن عبد الله بن عبد الدار الحارثي‏.‏

ثم ولى السفاح على ذلك سنة ثلاث وأربعين ومائة السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس‏.‏

ثم عزله أبو جعفر المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي ثم عزله عنها سنة تسع وأربعين ومائة وولى مكانه محمد بن إبراهيم الإمام ثم عزله وولى مكانه إبراهيم ابن أخيه ثم ولى على مكة وسائر الحجاز واليمامة جعفر بن سليمان ثم توالت عليها العمال إلى أن ولى الرشيد في خلافته على مكة واليمن حماداً اليزيدي سنة أربع وثمانين ومائة‏.‏

ثم وليها في زمان الأمين داود بن عيسى‏.‏

ثم وليها محمد بن عيسى ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وولى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل‏.‏

ثم وليها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولى مكانه عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين وولى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ثم توالت عليها العمال من قبل الطبقة الرابعة السلمانيون من بني الحسن نسبة إلى سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط‏.‏

وكان سليمان هذا في أيام المأمون بالمدينة وحدثت الرياسة فيها لبنيه بعد أيام وكان كبيرهم آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان الربذي‏.‏

قال البيهقي‏:‏ خلع طاعة العباسيين وخطب لنفسه بالإمامة في سنة إحدى وثلثمائة في خلافة المقتدر ثم اعترضه أبو طاهر القرمطي في سنة ثنتي عشرة وثلثمائة فانقطع حجيج العراق بسبب ذلك‏.‏

ثم أنفذ المقتدر الحجيج من العراق في سنة سبع عشرة وثلثمائة فوافاهم القرمطي بمكة فنهبهم وخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية وقلع الحجر الأسود وباب الكعبة وحملهما إلى الأحساء وتعطل الحج من العراق إلى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلثمائة فحج بالناس أميره في تلك السنة‏.‏

ثم انقطع الحج من العراق بعدها إلى أن صولحت القرامطة على مال يؤديه الحجيج إليهم فحجوا في سنة سبع وعشرين وثلثمائة وخطب بمكة للراضي بن المقتدر وفي سنة تسع وعشرين لأخيه ثم انقطعالحج من العراق بسبب القرامطة إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة فخرج ركب العراق بمهادنة القرامطة في خلافة المستكفي ثم خطب بمكة لمعز الدولة بن بويه مع المقتدر في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ثم تعطل الحج بسبب القرامطة ثم برز أمر المنصور الفاطمي صاحب إفريقية لأحمد بن أبي سعيد أمير القرامطة بعد موت أبي طاهر بإعادة الحجر الأسود إلى مكانه فأعاده في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة‏.‏

وفي سنة ثنتين وأربعين وثلثمائة حاول أمير الركب المصري الخطبة لابن الأخشيد صاحب مصر فلم يتأت له ذلك وخطب لابن بويه واتصلت وفود الحج من يومئذ‏.‏

سوفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة مع المطيع‏.‏

وفي سنة ست وخمسين وثلثمائة خطب بمكة لبختيار بن معز الدولة بعد موت أبيه‏.‏

ثم في سنة ستين وثلثمائة جهز المعز الفاطمي عسكراً من إفريقية لإقامة الخطبة له بمكة وعاضدهم بنو الحسين أهل المدينة فمنعهم بنو الحسن أهل مكة من ذلك واستولوا على مكة‏.‏

فلما ملك مصر المعز كان الحسن بن جعفر بن الحسن بن سليمان بالمدينة فبادر فملك مكة ودعا للمعز وكتب له المعز بالولاية ثم مات الحسن فولي مكانه أخوه عيسى‏.‏

ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر بن أبي هاشم ثم الحسن بن محمد بن سليمان بن داود سنة أربع وثمانين وثلثمائة ثم جاءت عساكر عضد الدولة بن بويه ففر الحسن وترك مكة‏.‏

ولما مات المعز وولي ابنه العزيز بعث إلى مكة أميراً علوياً فخطب له بالحرمين واستمرت الخطبة بمكة للعلويين إلى سنة سبع وستين وثلثمائة‏.‏

في سنة ثمان وستين خطب لعضد الدولة بن بويه ثم عادت الخطبة بمكة إلى الخلفاء الفاطميين بمصر ثم كتب الحاكم سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة إلى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأنكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة وحمله ذلك على أن استبد بالأمر في مكة وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين فرجع أبو الفتوح إلى طاعته فأعاده إلى إمارته بمكة‏.‏

وفي سنة ثنتي عشرة وأربعمائة خطب بمكة للظاهر بن الحاكم ثم خطب بمكة سنة سبع وعشرين وأربعمائة للمستنصر بن الظاهر ثم توفي أبو الفتوح أمير مكة المتقدم ذكره سنة ثلاثين وأربعمائة لست وأربعين سنة من إمارته‏.‏

وولي بعده إمارة مكة ابنه شكر وملك معها المدينة واستضافها لمكة وجمع بين الحرمين كله ثلاثاً وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ وكانت وفاته عن غير ولد وانقرضت بموته دولة بني سليمان بمكة‏.‏

الهواشم نسبة إلى أبي هاشم‏:‏ محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط‏.‏

كان رئيس الهواشم لما مات شكر آخر أمراء السليمانيين محمد بن جعفر بن أبي هاشم المذكور فاستولى على إمارة مكة في سنة أربع وخمسين وأربعمائة بعد موت شكر وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر ثم خطب لبني العباس في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ذلك فأعاد الخطبة للمستنصر الفاطمي ثم استماله القائم العباسي وبذل له الأموال فخطب له سنة ثنتين وستين بالموسم فقط وكتب للمستنصر بمصر يعتذر إليه ثم بعث إليه السلطان ألب أرسلان السلجوقي بأموال كثيرة في سنة ثلاث وستين فخطب له بنفسه‏.‏

ثم جمع محمد بن جعفر المتقدم ذكره وزحف إلى المدينة فأخرج منها بني الحسين وملكها وجمع بين الحرمين‏.‏

ثم مات القائم وانقطع ما كان يصل إلى أمير مكة منه فقطع الخطبة للعباسيين‏.‏

ثم أرسل المقتدي بالله العباسي بمال فأعاد الخطبة للعباسيين فاستمرت الخطبة لهم إلى أن مات السلطان ملكشاه السلجوقي سنة ست وثمانين وأربعمائة فانقطعت الخطبة بمكة للعباسيين وبطل الحاج من العراق ومات المقتدي وبويع ابنه المستظهر ومات المستنصر العبيدي بمصر وبويع ابنه المستعلي فخطب له بمكة‏.‏

ثم مات محمد بن جعفر أمير مكة المتقدم ذكره سنة سبع وثمانين وأربعمائة لثلاث وثلاثين سنة من إمارته وولي بعده ابنه قاسم فكثر اضطرابه ثم توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته‏.‏

وولي بعده ابنه أبو فليتة فافتتح بالخطبة العباسية وحسن الثناء عليه ثم مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة لعشر سنين من إمارته وولي بعده ابنه قاسم والخطبة مستمرة للعباسيين‏.‏

ثم صنع المقتفي باباً للكعبة وأرسله إليها في سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة وحمل الباب العتيق إليه فاتخذه تابوتاً يدفن فيه واتصلت الخطبة لبني العباس إلى سنة خمس وخمسين وبويع المستنجد فخطب له كما كان يخطب لأبيه المقتفي‏.‏

ثم قتل قاسم بن أبي فليتة سنة ست وخمسين وخمسمائة وولي بعده ابنه عيسى في أيام العاضد‏:‏ آخر خلفاء الفاطميين بمصر وتوفي المستنجد وبعث المستضيء بالركب العراقي وانقضت دولة الفاطميين بمصر ووليها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فخطب له والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن عيسى عم قاسم سير الحاج في سنة ست وخمسين وخمسمائة وقام مكان ابن أخيه قاسم المذكور ثم عاد قاسم فملك مكة ثم هرب وعاد عمه عيسى فملكها وهرب قاسم إلى جبل أبي قبيسٍ فوقع عن فرسه فأمسكه عيسى وقتله‏.‏

ثم مات المستضيء وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت أمه وعادت فأنهت إليه من أحوال عيسى بن قاسم أمير مكة ما عزله به وولى مكانه أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر وهو الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيسسٍ ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة وبموته انقرضت دولة الهواشم بمكة‏.‏

وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن أمير حاج العراق في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة توجه من عند الخليفة بعزله فجرى بينهما حرب انتهى الأمر فيها إلى انهزام مكثر المذكور وأقيم أخوه داود مكانه‏.‏

وما زالت الإمرة فيه تارة وفي أخيه مكثر تارة حتى مات داود في سنة تسع وثمانين وخمسمائة‏.‏

وقال‏:‏ إنه داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم‏.‏

الطبقة السادسة بنو قتادة نسبة إلى قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏.‏

وكان السبب في ولايته مكة أنها لما كانت مع الهواشم كان بنو حسن مقيمين بنهر العلقمية من وادي ينبع فجمع قتادة قومه بني مطاعن وأسالف بني أحمد وبني إبراهيم وتأمر عليهم وملك ينبع ثم ملك الصفراء وسار إلى مكة فانتزعها من الهواشم المتقدم ذكرهم وملكها وخطب للناصر لدين الله العباسي‏:‏ خليفة بغداد وتعاظم أمره حتى ملك مع مكة والينبع أطراف اليمن وعض أعمال المدينة وبلاد نجد ولم يفد على أحد من الخلفاء ولا من الملوك وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة وولي مكانه ابنه الحسن فامتعض لذلك أخوه راجح بن قتادة ثم قدم الملك المسعود أقسر بن الكامل صاحب اليمن سنة عشرين وستمائة من اليمن إلى مكة وملك مكة وقتل جماعة من الأشراف ونصب رايته وأزال راية أمير الركب الذي من جهة الخليفة فكتب الخليفة من بغداد إلى أبيه الكامل يعاتبه في ذلك فكتب الكامل إلى ابنه أقسر‏:‏ برئت يا أقسر من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وذهب حسن بن قتادة إلى بغداد صريخاً فمات بها سنة ثنتين وعشرين وستمائة ومات أقسر بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ وقصد راجح بن قتادة مكة مع عساكر عمر بن رسول فملكها من يد فخر الدين بن الشيخ سنة تسع وعشرين وستمائة‏.‏

ثم جاءت عساكر مصر سنة ثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل فملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن ثم عاد ومعه عمر بن رسول صاحب اليمن بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد الخليفة المستنصر‏.‏

ثم غلب على مكة سنة سبع وأربعين وستمائة أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة ولحق راجحٌ باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين وستمائة إلى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشاً على أبي سعد أن يقطع ذكر صاحب اليمن فجهز له عسكراً وسار إلى مكة فقتل أبا سعد في الحرم وملك مكة ثم وصل راجح من اليمن إلى مكة وهو شيخ كبير السن وأخرج منها جماز بن حسن فلحق بالينبع‏.‏

ثم دار أمر مكة بين أبي نمي محمد بن أبي سعد علي بن قتادة وبين غالب ابن راجح بن قتادة ثم استبد أبو نمي بإمرة مكة ونفى قبيلة أبيه أبي سعد إلى الينبع‏.‏

ولما هلك أبو نمي قام بأمر مكة من بعده ابناه رميثة وحميضة ونازعهما أخواهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل المملكة المصرية في الأيام الناصرية فأطلق عطيفة وأبا الغيث وولاهما وأمسك رميثة وحميضة وبعث بهما إلى مصر ثم رد السلطان رميثة وحميضة إلى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعثا إليه بعطيفة وأبي الغيث وبقي التنازع بينهم وهم يتعاقبون في إمرة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم بطن مر‏.‏

ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر سنة خمس عشرة وسبعمائة فأمده بعساكر وجه بها إلى مكة واصطلحوا‏.‏

ثم خالفهم عطيفة سنة ثمان عشرة وسبعمائة ووصل إلى السلطان فأمده بالعساكر فملك مكة وقبض على رميثة فسجن ثم أطلق سنة عشرين وأقام بمصر وبقي حميضة مشرداً إلى أن استأمن السلطان فأمنه ثم وثب بحميضة مماليك كانوا معه وقتلوه وأطلق رميثة من السجن واستقر شريكاً لأخيه عطيفة في إمارتها‏.‏

ثم مات عطيفة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلاً بإمارة مكة إلى أن كبر وهرم‏.‏

وإلى ذلك أشار في التعريف بقوله‏:‏ وأول إمرة في رميثة وهو آخر من بقي من بيته وعليه كان النص من أبيه دون البقية مع تداولهم لها وكان ابناه بقية وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة ولما مات رميثة تنازع ولداه‏:‏ بقية وعجلان وخرج بقية وبقي عجلان بمكة ثم غلبه عليها بقية ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة فولى السلطان عجلان وفر بقية إلى الحجاز فأقام هناك منازعاً لعجلان من غير ولاية وعجلان هو المستبد بها مع سلوك سيرة العدل والإنصاف والتجافي عن أموال الرعية والتعرض للمجاورين إلى أن توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة‏.‏

وولي بعده ابن أحمد وكان قد فوض غليه الأمر في حياته وقاسمه في أمره فقام أحمد بأمر مكة جارياً على سنن أبيه في العدل وحسن السيرة ومات في رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة في الدولة الظاهرية برقوق‏.‏

فولي مكانه ابنه محمد وكان صغيراً في كفالة عمه كبيش بن عجلان فبقي حتى وثب عليه فداوي عند ملاقاة المحمل فقتله ودخل أمير الركب إلى مكة فولى عنان بن مغامس بن رميثة مكانه‏.‏

ثم لحق علي بن عجلان بالأبواب السلطانية بمصر فولاه الظاهر برقوق سنة تسع وثمانين وسبعمائة شريكاً لعنان وسار مع أمير الركب إلى مكة فهرب عنانٌ ودخل علي بن عجلان مكة فاستقل بإمارتها ثم وفد علي بن عجلان على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفره بالإمارة وأنزل عنان بن مغامس عنده وأحسن إليه ثم اعتقله بعد ذلك وبقي علي بن عجلان في إمارة مكة حتى قتل ببطن مر في سنة سبع وتسعين وسبعمائة‏.‏

فولى السلطان ابن أخيه حسن بن أحمد مكانه واستبد بإمرة مكة وهو بها إلى هذا العهد‏.‏

وهو حسن بن أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد علي بن أبي عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبد الله بن أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

الطرف الثامن في ترتيب مكة المشرفة وفيه جملتان الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية والبلاد الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم النقرة وصنجتها في ذلك كصنجة الديار المصرية ويعبر عن الدرهم النقرة فيها بالكاملي نسبةً إلى الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب صاحب مصر وعندهم درهم آخر من فضة خالصة مربع الشكل زنته نحو نصف ثم نقص حتى صار نحو سدس يعبرون عنه بالمسعودي نسبة إلى الملك المسعود صاحب اليمن وهو في المعاملة بثلثي درهم كاملي‏.‏

ولم يكن بها في الزمن المتقدم فلوس يتعامل بها ثم راجت الفلوس الجدد بها في أيام الموسم فيما قبل الدولة الظاهرية برقوق‏.‏

ثم راجت في سائر الأوقات آخراً إلا أن كل درهم بها ثمانية وأربعون فلساً على الضعف من الديار المصرية حيث كل درهم فيها أربعة وعشرون فلساً ويعبر عن كل خمسة قراريط من الدرهم الكاملي فيها بجائز وعن الربع والسدس منه بجائزين وتعتبر أوزانها بالمن‏:‏ وهو مائتان وستون درهماً‏.‏

وأواقيه عشرة كل أوقية عشرة دراهم وكيلها بالغرارة وكل غرارة من غرائرها‏.‏

وقياس قماشها بالذراع المصري وأسعارها في الغالب مرتفعة عن سعر مصر والشام‏.‏

وأما إمرتها فإنها إمرة أعرابية يمشي أميرها في غمرته على قاعدة أمراء العرب دون عادة الملوك في المواكب وغيرها وأتباعه عرب وأكثرهم من بني الحسن أشراف مكة ويعبر عن أكابرهم بالقواد وهم بمثابة الأمراء للملوك وربما استخدم المماليك الترك ومن في معناهم‏.‏

وأكثر متحصله مما يؤخذ من التجار الواردين إلى مكة من الهند واليمن وغيرهما‏.‏

وأما تجهيز ركب الحجيج إليها ففي كل سنة يجهز إليها المحمل من الديار المصرية بكسوة البيت مع أمير الركب ويكسى البيت بالكسوة المجهزة مع المحمل ويأخذ سدنة البيت الكسوة التي كانت على البيت فيهادون بها الملوك وأشراف الناس وداخل البيت كسوة أخرى من حرير منقوش لا يحتاج إلى التغيير إلا في السنين المتطاولة لعدم وصول الشمس ولمس الأيدي إليها‏.‏

ومن عادة أمير مكة أنه إذا وصل المحمل إلى ظاهر مكة خرج لملاقاته فإذا وافاه ترجل عن فرسه وأتى الجمل الحامل للمحمل فقلب خف يده اليمنى وقبله خدمةً لصاحب مصر وقد روى ابن النجار في تاريخ المدينة النبوية من طريق الحافظ أبي نعيم إلى حسين بن مصعب أنه أدرك كسوة الكعبة يؤتى بها المدينة قبل أن تصل إلى مكة فتنتشر على الرضراض في مؤخر المسجد ثم يخرج بها إلى مكة‏.‏

وذلك في سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

واعلم أن كسوة الكعبة لها حالان‏:‏ الحال الأولى ما كان الأمر عليه في الجاهلية‏.‏

قد روى الأزرقي في أخبار مكة بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏"‏ نهى عن سب أسعد الحميري وهو تبعٌ ‏"‏ وكان أول من كسا الكعبة كسوةً كاملة تبعٌ وهو أسعد أري في منامه أن يكسوها فكساها الأنطاع ثم أري أن اكسها فكساها الوصائل ثيابٌ حبرة من عصب اليمن وعن ابن جريح نحوه‏.‏

وعن ابن أبي مليكة أنه قال‏:‏ بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسىً شتى كانت البدن تجلل الحبر والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن وكان يهدي للكعبة هدايا من كسىً شتى سوى جلال البدن‏:‏ حبر وخزٌ وأنماط فتكسى منه الكعبة ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوب آخر ولا ينزع مما عليها شيء‏.‏

وعن عبد الجبار بن الورد قال‏:‏ سمعت ابن أبي مليكة يقول‏:‏ كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان يختلف إلى اليمن يتجر فيها فأثرى في المال فقال لقريش‏:‏ أنا أكسو الكعبة وحدي سنةً وجميع قريش سنة فكان يفعل ذلك حتى مات‏:‏ يأتي بالحبر الجندية من الجند فيكسو الكعبة فسمته قريش العدل لأنه عدل فعله بفعل قريش‏.‏

وروى الواقدي عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت رضي الله عنه أنها قالت‏:‏ رأيت قبل أن ألد زيد بن ثابت على الكعبة مطارف خز أخضر وأصفر وكرار وأكسية الأعراب وشقاق شعر‏.‏

وعن ابن جريج أن الكعبة فيما مضى إنما كانت تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج حتى كان بنو هاشم فكانوا يعلقون القميص يوم التروية من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالاً فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار‏.‏

وعن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال‏:‏ نذرت أمي بدنةً تنحرها عند البيت وجللتها شقتين من شعر ووبر فنحرت البدنة وسيرت للكعبة بالشقتين والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة لم يهاجر فنظرت إلى البيت يومئذ وعليه كسىً شتى من وصائل وأنطاع وكرارٍ وخز ونمارق عراقية كل هذا قد رأيته عليه‏.‏

قلت‏:‏ حاصل الأمر أن الذي كسيته الكعبة الأنطاع وحبرات اليمن والبرود والكرار والأنماط والنمارق ومطارف الخز الأخضر والأصفر والأكسية وشقاق الشعر والوبر وغير ذلك‏.‏

الحال الثانية ما كان الأمر عليه في صدر الإسلام وهلم جرا إلى زماننا‏.‏

سأما في صدر الإسلام فقد روى الواقدي عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه أن البيت كان في الجاهلية سيكسى الأنطاع فكساه النبي صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي‏.‏

وعن ابن أبي نجيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطي من بيت المال كان يكتب فيها إلى مصر ثم عثمان من بعده‏.‏

فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين‏:‏ كسوة عمر القباطي وكسوة ديباج‏.‏

وكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان‏.‏

وروى الأزرقي عن نافع قال‏:‏ كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحبر وفي رواية الأنماط فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها وإذا كان يوم النحر نزعها عنها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان الحجبي فناطها على الكعبة‏.‏

وروى الواقدي عن إسحاق بن عبد الله أن الناس كانوا ينذرون كسوة الكعبة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة‏.‏

فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني فلما كان ابن الزبير اتبعه على ذلك فكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير يبعث بالكسوة كل سنة وكانت تكسى يوم عاشوراء‏.‏

قال الأزرقي‏:‏ وقد قيل إن ابن الزبير أول من كساه الديباج‏.‏

قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل‏:‏ وهو الصحيح‏.‏

وذكر الواقدي عن أشياخه أن عبد الملك بن مروان كان يبعث في كل سنة بالديباج من الشام فيمر به على المدينة فينشر يوماً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأساطين هاهنا وهاهنا ثم يطوى ويبعث به إلى مكة‏.‏

وقد قيل إن عبد الملك أول من كسا الكعبة الديباج‏.‏

قال الماوردي‏:‏ وكساه بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كانت على أهل نجران في جزيتهم والديباج من فوقها‏.‏

قال الأزرقي‏:‏ ولما حج المهدي في سنة ستين ومائتين رفع إليه أن ثياب الكعبة قد أثقلتها ويخاف على جدرانها من ثقل الكسوة فجردها حتى لم يبق عليها شيء من الكسوة ثم افرغ عليها ثلاث كسىً‏:‏ قباطي وخز وديباج‏.‏

ولما غلب حسين بن حسن الطالبي على مكة في سنة مائتين وجد ثيابها قد ثقلت عليها أيضاً فجردها في أول يوم من المحرم وكساها كسوتين من قز رقيق إحداهما صفراء والأخرى بيضاء مكتوب بينهما‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار‏.‏

أمر أبو السرايا الأصغر بن الأصغر راعية آل محمد صلوات الله عليه وسلامه بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام ‏"‏‏.‏

وذكر الأزرقي عن جده أن الكعبة كانت تكسى في كل سنة كسوة ديباج يعني أحمر وكسوة قباطي‏.‏

فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق القميص ويدلى ولا يخاط وإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه‏.‏

فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الغزار يوصل بالقميص وكأن المراد بالإزار ما تدركه الأيدي في الطواف وبالقميص ما فوق ذلك إلى أعلى الكعبة فلا تزال هذه الكسوة الديباج عليها حتى يوم سبع وعشرين من شهر فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه أن الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر فسأل المأمون صاحب بريد مكة في أي الكسوة الكعبة أحسن فقال له‏:‏ في البياض فأمر بكسوة من ديباج أبيض عملت سنة ست ومائتين وبعث بها إلى الكعبة فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسى‏:‏ تكسى الديباج الأحمر يوم التروية وتكسى القباطي يوم هلال رجب وتكسى الديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من شهر رمضان للفطر‏.‏

ثم رفع إلى المأمون أيضاً أن إزار الديباج الأبيض يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحاج قبل أن يخاط عليها غزار الديباج الأحمر في عاشوراء فزادها إزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية فيستر بهما تخرقمن الإزار الذي كسيته‏.‏

ثم رفع إلى المتوكل في سنة أربعين ومائتين أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس ومسحهم بالكعبة فزادها إزارين مع الإزار الأول فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض ثم جعل الإزار فوقه في كل شهرين إزار ثم نظر الجبة فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه فوضع في تابوت الكعبة وكتبوا إلى المتوكل أن إزاراً واحداً مع ما أذيل من الله ‏"‏‏.‏

ثم جعل بعد ذلك برقع البيت من حرير أسود منشوراً عليه المخايش الفضة الملبسة بالذهب فزاد نفاسة وعلا قيمة‏.‏

ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة جعل واجهة الباب من الكسوة كمخاً أزرق بجامات مكتوب فيها‏.‏

والله العالم ما كان وما يكون‏.‏

قلت‏:‏ وحاصل ما تقدم أن الذي اشتملت عليه أصناف الكسوة في الإسلام الثياب اليمانية والقباطي المصرية والحبر والأنماط والحلل النجرانية والديباج الأبيض والديباج الأحمر والديباج الأخضر والديباج الأصفر والديباج الأسود والديباج الأزرق‏.‏

وأما تجريد الكعبة من ثيابها فقد ذكر الأزرقي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة الكبيت في كل سنة فيقسمها على الحاج‏.‏

وعن ابن أبي مليكة أنه قال‏:‏ كانت على الكعبة كسىً كثيرةٌ من كسوة أهل الجاهلية‏:‏ من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط فكانت ركاماً بعضها فوق بعض‏.‏

فلما كسيت في الإسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء إلى أن كانت أيام معاوية فكتب إليه شيبة بن عثمان الحجبي يرغب إليه في تخفيفها من كسى الجاهلية حتى لا يكون عليها شيء مما مسته أيديهم لنجاستهم فكتب إليه معاوية أن جردها وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة فجردها شيبة حتى لم يبق عليها شيءٌ وكساها الكسوة التي بعث بها معاوية وقسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة وكان ابن عباس حاضراً في المسجد وهم يجردونها فلم ينكر ذلك ولا كرهه‏.‏

وروي أن عائشة رضي الله عنها أنكرت على شيبة ذلك وقالت له بعها واجعل ثمنها في سبيل الله وكذلك ابن عباس‏.‏

وروى الواقدي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ إذا نزعت من الكعبة ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس من حائض أو جنب‏.‏

وقد تقدم أن المهدي جردها حين حج في سنة ستين ومائتين وحسينٌ الطالبي جردها في سنة مائتين‏.‏

قلت‏:‏ والذي استقر عليه الحال في زماننا أنها لا تلبس في كل سنة غير كسوة واحدة على ما تقدم بيانه وذلك أن الكسوة تعمل بمصر على النمط المتقدم ثم تحمل صحبة الركب إلى مكة فيقطع ذيل الكسوة القديمة على قدر قامة من جدار الكعبة ويظهر من الجدار ما كان تحته ويبقى أعلاها معلقاً حتى يكون يوم‏.‏

فتخلع الكسوة العتيقة وتعلق الجديدة مكانها ويكسى المقام من نسبة كسوة الكعبة ويأخذ بنو شيبة الحجبة الكسوة العتيقة فيهدونها للحجاج ولأهل الآفاق‏.‏

وقد زاد رفدهم فيها من حين حصلت المغالاة في كسوة الكعبة وبرقعها على ما تقدم‏.‏

اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة‏.‏

واعلم أن جدار الكعبة كان عزيز الرؤية حين كانت الكسوة تتراكم عليها ولا يجرد عنها شيءٌ حتى إن الأزرقي حكى عن جده أنه تبجح برؤية جدارها حين جردت في سنة ثلاث وستين ومائتين وأنه رأى جدار الباب المسدود الذي كان عمله ابن الزبير في ظهرها وسده الحجاج وشبه لون جدارها بالعنبر الأشهب‏.‏

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها أكثر من هو بباديتها وأوديتها القريبة منها بنو الحسن الأشراف‏.‏

وقد ذكر في التعريف من عرب الحجاز لأمٌ وخالد والمنتفق والعايد وزاد في مسالك الأبصار ذكر زبيد وبنو عمرو والمضارجة والمساعيد والزراق وآل عيسى وآل دغم وآل جناح والجبور‏.‏

ثم قال‏:‏ وديارهم يتلو بعضها بعضاً‏.‏

قال الحمداني‏:‏ وشرقي مكة خليجية وبنو هزر ومنازلهم بيشة‏.‏

ومنهم من خثعم بنو منبه وبنو فضيلة ومعاوية وآل مهدي وبنو نضر وبنو حاتم والموركة وآل زياد وآل الصعافير والشما وبلوس‏.‏

ثم قال‏:‏ ومنازلهم غير متباعدة‏.‏

أما العربان بالدرب المصري إلى مكة فمن بركة الحجاج إلى عقبة أيلة للعائد من عرب الشرقية ومن العقبة إلى الدأماء دون عيون القصب لبني عقبة ومن الدأماء إلى أكدى لبلي ومن أكدى إلى آخر الوعرات لجهينة ومن آخر الوعرات إلى نهاية بدر وإلى نهاية الصفراء ونقب علي لبني حسنٍ أصحاب الينبع ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرفقاع البزوة ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثنية المعروفة بعقبة السويق لسليم ومن الثنية على خليص إلى الثنية المشرقة على عسفان إلى الفج المسمى بالمحاطب لبني جابر وهم في طاعة صاحب مكة ومن المحاطب إلى مكة المعظمة لصاحب مكة وبني الحسن‏.‏

القاعدة الثانية المدينة المشرفة النبوية على ساكنها أشرف الخلق محمدٍ أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام وفيها اربع جمل الجملة الأولى في حاضرتها المدينة ضبطها معروف وهو اسم غلب عليها وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة ‏"‏‏.‏

واسمها القديم يثرب وبه نطق القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يا أهل يثرب لا مقام لكم ‏"‏‏.‏

قال الزجاجي‏:‏ وهو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح هو الذي بناها وورد ذكره في الحديث أيضاً‏.‏

قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره‏:‏ وحديث النهي عن تسميتها بذلك ضعيف وسماها الله تعالى الدار بقوله‏:‏ ‏"‏ والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم ‏"‏‏.‏

وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وفتح الباء الموحدة بعدها هاء وطابة بإبدال الياء بعد الطاء بألف‏.‏

قال النووي‏:‏ وهما من الطيب وهو الرائحة الحسنة وقيل من الطيب خلاف الرديء وقيل من الطيب بمعنى الطاهر وقيل من طيب العيش‏.‏

وزاد السهيلي في أسمائها الجابرة بالجيم والباء الموحدة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة وكانت تدعى في الجاهلية غلبة لأن اليهود غلبوا عليها العماليق والأوس والخزرج غلبوا عليها اليهود‏.‏

قال صاحب حماة‏:‏ وهي من الحجاز وقيل من نجدٍ وموقعها قريب من وسط الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة‏.‏

قال في كتاب الأطوال‏:‏ وطولها خمس وستون درجة وثلث وعرضها إحدى وعشرون درجة‏.‏

وقال في القانون‏:‏ طولها سبع وستون درجة ونصف وعرضها إحدى وعشرون درجة وثلث‏.‏

وقال ابن سعيد‏:‏ طولها خمس وستون درجة وثلث وعرضها خمس وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة‏.‏

وقال في رسم المعمور‏:‏ طولها خمس وستون درجة وعشرون دقيقة وعرضها خمس وعشرون درجة‏.‏

وقد ذكر صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم أن أول من بناها تبعٌ الأول وذكر أنه مر بمكانها وهي يومئذ منزلة بها أعين ماء فأخبره أربعمائة عالم من علماء أهل الكتاب لهم عالم يرجعون إليه أن هذا موضع مهاجر نبي يخرج في آخر الزمان من مكة اسمه محمد وهو إمام الحق فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبنى المدينة وأنزلهم بها وأعطى كلاً منهم مالاً يكفيه وكتب كتاباً فيه‏:‏ ‏"‏ أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبربك وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإني قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملة أبيك إبراهيم ‏"‏‏.‏

وختم الكتاب ونقش عليه‏:‏ ‏"‏ لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ‏"‏‏.‏

وكتب عنوانه‏:‏ ‏"‏ إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تبع الأول حمير أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه ‏"‏‏.‏

ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكة والمدينة وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص‏.‏

وقيل في بنائها غير ذلك وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض والغالب على أرضها السباخ وفي شماليها جبل أحدٍ وفي جنوبها جبل عير وكان عليها سور وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعدي سوراً منيعاً وجدده عضد الدولة بن بويه الديلمي في سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وهو باق عليها إلى الآن ولها أربعة أبواب‏:‏ بابٌ في الشرق يخرج منه إلى البقيع وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباءٍ وبينيدي هذا الباب جداول ماء جارية وبوسطها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة‏.‏

قال ابن قتيبة في كتاب المعارف‏:‏ وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعمده النخل ولم يزد فيه أبو بكر شيئاً وزاد فيه عمر ثم غيره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة ووسعه المهدي سنة ستين ومائة وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا‏.‏

وبه الحجرة الشريفة التي بها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بحجرته الشريفة دائرٌ عليه مقصورةٌ مرتفعة إلى نحو السقف عليه ستر من حرير أسود وخارج المقصورة بين القبر والمنبر الروضة التي أخبر صلى الله عليه وسلم أنها روضةٌ من رياض الجنة‏.‏

وقد ذكر أهل الأثر‏:‏ أن المنبر كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات بالمقعد وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع وعرضه ذراع راجح وارتفاع صدره وهو الذي يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع وارتفاع رمانتيه اللتين كان يمسكهما صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبرٌ وأصبعان وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة وبقي على ذلك إلى أيام معاوية فكتب إلى مروان عامله على المدينة أن ارفعه عن الأرض فزاد من أسفله ست درجات ورفعه عليها فصار له تسع درجات بالمجلس‏.‏

قيل‏:‏ وصار طوله أربعة أذرع وشبراً‏.‏

ولما حج المهدي بن المنصور العباسي سنة إحدى وستين ومائة أراد أن يعيده إلى ما كان عليه فأشار عليه الغمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه ويقال‏:‏ إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبي صلى الله وسلم عليه عليه تهافت على طول الزمان وجدده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي صلى الله عليه وسلم أمشاطاً للتبرك ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهل رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار فعمل المظفر صاحب اليمن المنبر وبعث به إلى المدينة سنة ست وخمسين وستمائة فنصب في موضع منبر النبي صلى الله عليه وسلم فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة فأرسل الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلاً ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن‏.‏

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وهي على ضربين الضرب الأول حماها ومرافقها واعلم أن للمدينة الشريفة حمىً حماه النبي صلى الله عليه وسلم وحرمه كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ حماها اثنا عشر ميلاً وخارج بابها الشرقي البقيع المتقدم ذكره وهو مدفن أكثر أمواتها وهو بالباء الموحدة في أوله ويسمى بقيع الغرقد - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف ودال مهملة في الآخر‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ سمي بذلك لأنه قطع ما به من شجر الغرقد يوم مات عثمان رضي الله عنه‏.‏

وبه قبر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب وإلى جانبه قبر العباس‏:‏ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه في قبة دونهما وقبر مالك بن أنس إمام المذهب المعروف وحول المدينة حدائق النخل الأنيقة وثمرها من أطيب الثمر وأحسنه وغالب قوت أهلها منه‏.‏

الضرب الثاني في مخاليفها وقراها والمشهور منها ثمانية أماكن الأول قباء - بضم القاف وفتح الباء الموحدة وألف في الآخر - ويروى بالمد والقصر والمد أشهر‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ ومن العرب من يذكره فيصرفه ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه‏.‏

قال‏:‏ وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة ابن الحسن بن السائب بن أبي لبابة يقال لها قباء وهي قرية غربي المدينة على ميلين منها وبها مسجد التقوى الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله‏:‏ ‏"‏ لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يومٍ أحق أن تقوم فيه ‏"‏‏.‏

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل يوم سبت راكباً وماشياً ومصلاه بها مشهور‏.‏

الثاني خبير - بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر - قال الزجاجي‏:‏ سميت بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها وهي بلدة بالقرب من المدينة الشريفة‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ طولها أربع وستون درجة وست وخمسون دقيقة وعرضها سبع وعشرون درجة وعشرون دقيقة‏.‏

وهي بلدة عامرة آهلة ذات نخيل وحدائق ومياهٍ تجري‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي بلدة بني عنزة من اليهود والخيبر في لغة اليهود الحصن وهي في جهة الشمال والشرق عن المدينة على نحو ست مراحل وقيل أربع مراحل‏.‏

قال الإدريسي‏:‏ وهي ذات نخيل وزرع وكانت في صدر الإسلام داراً لبني قريظة والنضير وبها كان السموءل بن عاديا الشاعر المشهور‏.‏

الثالث فدك - بفتح الفاء والدال المهملة وكاف في الآخر - قال الزجاجي‏:‏ سميت بفدك بن حام وقيل‏:‏ سميت بفيد بن حام وهو أول من نزلها‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وبينها وبين المدينة يومان وحصنها يقال له الشمروخ على القرب من خيبر وكان أهلها قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على النصف من ثمارها في سنة أربع من الهجرة ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت له صلى الله عليه وسلم خالصةً وكان معاوية بن أبي سفيان قد وهبها لمروان بن الحكم ثم ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه‏.‏

فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ردها إلى ما كانت عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تغل في أيام إمرته عشرة آلاف دينار يتجافى عنها‏.‏

الرابع الصفراء - مؤنث أصفر - وهو وادٍ على ست مراحل من المدينة كثير المزارع والمياه والحدائق‏.‏

أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة وعشرين نهراً على كل نهر قرية وعيونه تصب فضلها إلى ينبع وهو بيد بني حسن الشرفاء‏.‏

الخامس ودان - بفتح الواو وتشديد الدال المفتوحة وألف ونون - وهو وادٍ به قرىً خراب لا تحصى كثرة‏.‏

السادس الفرع - بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبالعين المهملة - وهو وادٍ في جنوبي المدينة على أربعة أيام منها يشتمل على عدة قرىً آهلة أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة عشر نهراً على كل نهر قرية وماؤها يصب في رابغ حيث يحرم حجاج مصر وعليها طريق المشاة من مكة إلى المدينة‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ ويقال إنها أول قرية مارت إسماعيل عليه السلام التمر بمكة وهي الآن بيد بني حرب‏.‏

السابع الجار - قال في اللباب‏:‏ بفتح الجيم وألف وراء مهملة - وهي فرضة المدينة الشريفة على ثلاث مراحل منها‏.‏

قال ابن حوقل‏:‏ وبينها وبين ساحل الحجفة نحو ثلاث مراحل منه عن أيلة على نحو عشرين مرحلة‏.‏

الثامن وادي القرى - بضم القاف وفتح الراء المهملة وألف في الآخر جمع قرية‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وهي مدينة كثيرة النخيل والبساتين والعيون وبها ناس من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الغالبون عليها وتعرف بالواديين والذي أخبرني به بعض أهل الحجاز أنه كان بها عيون كثيرة عليها عدة قرىً فخربت لاختلاف العرب وهي الآن خراب لا عامر بها ولو قلت‏:‏ وبالغ الإدريسي في نزهة المشتاق فعد من مخالفيها تيماء ودومة الجندل ومدين والتحقيق خلاف ذلك‏.‏

فأما تيماء - بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم ثم ألف في الآخر - فقد عدها في تقويم البلدان من بادية الشأم تقريباً‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وهي حاضرة طييء وبها الحصن المعروف بالأبلق المنسوب إلى السموءل بن عاديا‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي الآن أعمر من تبوك وبها نخيل قائمة‏.‏

وأما دومة الجندل فقال في تقويم البلدان‏:‏ هو موضع فاصل بين الشأم والعراق على سبع مراحل من دمشق وبينه وبين المدينة الشريفة ثلاث عشرة مرحلة‏.‏

وأما مدين فقد تقدم ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة ووقع الكلام عليها هناك وإن كان الحق أنها من ساحل الحجاز‏.‏

الجملة الثالثة في ذكر ملوك المدينة وأمرائها وهم على ضربين الضرب الأول من قبل الإسلام وهم ثلاث طبقات قد تقدم في الكلام على بنائها نقلاً عن صاحب الهناء الدائم‏:‏ أن تبعاً الأول هو الذي بناها وأسكنها جماعةً من علماء أهل الكتاب وكتب كتاباً وأودعه عندهم ليوصله من أدركه من أبنائهم إليه وبقي الكتاب عندهم يتوارثونه حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتلقاه من صار إليه الكتاب منهم وأوصل الكتاب إليه‏.‏

وحينئذ فيكون أول من ملكها التبابعة‏.‏

الطبقة الثانية العمالقة من ملوك الشام قال السهيلي‏:‏ وأول من نزلها منهم يثرب بن عبيل بن مهلائيل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام فسميت به‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وكانت هذه الأمة من العماليق يقال لها جاسم وكانوا قد استولوا على مكة وسائر الحجاز وكانت قاعدة ملكهم تيماء وكان آخر ملوكهم الأرقم بن أبي الأرقم‏.‏

الطبقة الثالثة ملوكها من بني إسرائيل ومن انضم إليهم من الأوس والخزرج قال في الروض المعطار‏:‏ لما ظهر موسى عليه السلام على فرعون بعث بعثاً من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منها أحداً بلغ الحلم فقتلوهم حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بتيماء فقتلوه وأبقوا له ابناً صغيراً ليرى موسى عليه السلام فيه رأيه‏.‏

فلما رجعوا به إلى الشأم وجدوا موسى عليه السلام قد توفي فقال لهم الناس‏:‏ عصيتم وخالفتكم أمر نبيكم وحالوا بينهم وبين الشام فقال بعضهم لبعض‏:‏ خيرٌ من بلدكم البلد الذي خرجتم منه فعادوا إلى الحجاز فنزلوه فكان ذلك أول سكنى اليهود الحجاز فنزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول واتخذوا الآطام والمنازل ونزل معهم جماعةٌ من أحياء العرب من بلي وجهينة‏.‏

وكانت يثرب أم قرى المدينة وهي ما بين طرف قباء إلى الجرف ثم لما كان من سيل العرم باليمن ما كان تفرق أهل مأرب فأتى الأوس والخزرج يثرب لليهود فحاربوهم وكان آخر الأمر أن عقدوا بينهم وبينهم جواراً واشتركوا وتحالفوا فلم يزالوا على ذلك زماناً طويلاً فصارت للاوس والخزرج ثروةٌ ومال وعز جانبهم فخافهم اليهود فقطعوا الحلف وخافهم الأوس والخزرج فبعثوا إلى من لهم بالشام فأعانوهم حتى أذلوا اليهود وغلبوهم عليها وبقيت بأيديهم حتى جاء الإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها وهم رؤساؤها وحكامها‏.‏

الضرب الثاني من في زمن الإسلام وهم أربع طبقات الطبقة الأولى من كان بها في صدر الإسلام كان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي في سنة إحدى عشرة من الهجرة‏.‏

ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن توفي سنة اثنتي عشرة من الهجرة‏.‏

ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة ثلاث وعشرين‏.‏

ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة خمس وثلاثين‏.‏

ثم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أن قتل سنة أربعين‏.‏

ثم الحسن بن علي بن أبي طالب إلى أن سلم الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين من الهجرة النبوية‏.‏

الطبقة الثانية عمال الخلفاء من بني أمية ولى عليها معاوية سنة اثنتين وأربعين من الهجرة مروان بن الحكم‏.‏

ثم عزله سنة تسع وأربعين وولى مكانه سعيد بن العاص‏.‏

ثم عزله سنة أربع وخمسين ورد إليها مروان بن الحكم‏.‏

ثم عزله سنة تسع وخمسين وولى مكانه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان‏.‏

ثم عزله يزيد بن معاوية عن المدينة والحجاز وولى مكانه عمرو بن سعيد الأشدق ثم عزله سنة إحدى وستين وأعاد الوليد بن عتبة‏.‏

ثم استعمل ابن الزبير عند غلبته على المدينة أخاه مصعباً سنة خمس وستين ثم نقله إلى البصرة وولى مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري ثم ولى مكانه طلحة بن عبد الله بن عوف‏.‏

ثم غلب عبد الملك بن مروان على الخلافة فبعث على المدينة طارق بن عمرو فغلب عليها طلحة بن عبد الله وانتزعها منه‏.‏

ثم انفرد عبد الملك بالخلافة وولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة الحجاج بن يوسف وعزل طارقاً عن المدينة وجعله من جنده‏.‏

ثم ولى عليها سنة سبع وسبعين أبان ابن عثمان‏.‏

ثم عزله في سنة اثنتين وثمانين وولى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي‏.‏

ثم كانت خلافة الوليد بن عبد الملك فعزل هشام بن إسماعيل وولى مكانه عثمان بن حيان‏.‏

ثم تولى عليها أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أيام سليمان بن عبد الملك‏.‏

ثم استعمل عليها عمر بن عبد العزيز في خلافته عبد العزيز بن أرطاة‏.‏

ثم عزله يزيد بن عبد الملك سنة ثلاث ومائة وولى مكانه عبد الرحمن بن الضحاك وأضاف إليه مكة ثم عزله لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه على مكة والمدينة عبد الواحد النضري‏.‏

ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى عليها وعلى مكة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي‏.‏

ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه بالمدينة خاصةً خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم‏.‏

ثم عزله سنة ثمان عشرة ومائة وولى مكانه محمد بن هشام بن إسماعيل‏.‏

ثم ولى الوليد بن يزيد في خلافته خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي على المدينة وسائر الحجاز في سنة أربع وعشرين ومائة‏.‏

ثم عزله يزيد في خلافته في سنة ست وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمرو بن عثمان‏.‏

ثم ولى مروان على المدينة وسائر الحجاز‏.‏

ثم عزله في سنة سبع وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز‏.‏

ثم عزله في سنة الطبقة الثالثة عمالها في زمن خلفاء بني العباس لما ولي السفاح الخلافة ولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة عمه داود‏.‏

ثم توفي داود سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد ابن عبد الله بن عبد المدان الحارثي‏.‏

ثم ولى سنة ثلاث وأربعين ومائة على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري‏.‏

ثم اتهمه في أمر فعزله وولى مكانه رياح بن عثمان المري فقتله أصحاب محمد المهدي فولى مكانه عبيد الله بن الربيع الحارثي‏.‏

ثم عزله المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه على المدينة جعفر ابن سليمان‏.‏

ثم عزله في سنة خمسين ومائة وولى مكانه الحسن بن زيد بن الحسن‏.‏

ثم عزله المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي‏.‏

ثم عزله المهدي في خلافته سنة تسع وخمسين ومائة وولى مكانه محمد ابن عبد الله الكثيري‏.‏

ثم عزله وولى مكانه زفر بن عاصم‏.‏

ثم تولى على المدينة والحجاز جعفر بن سليمان‏.‏

ثم كان بها محمد بن عيسى بعد مدة‏.‏

وعزله المتوكل وولى مكانه المستنصر بن المتوكل‏.‏

وتوالى عليها عمال بني العباس إلى عشر الستين والمائة‏.‏

الذين منهم الأمراء المستقرون في إمارتها إلى الآن كانت الرياسة بالمدينة آخراً لبني الحسن بن علي‏.‏

وكان منهم أبو جعفر عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

وكان من جملة ولده جعفرٌ حجة الله ومن ولده الحسن ومن ولد الحسن يحيى الفقيه النسابة كانت له وجاهة عظيمة وفخر ظاهر وتوفي سنة ست وسبعين ومائتين ومن ولده أبو القاسم طاهر بن يحيى ساد أهل عصره وبنى داراً بالعقيق ونزلها وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة‏.‏

وكان من ولده الحسن بن طاهر رحل إلى الأخشيد بمصر وهو يومئذ ملكها فأقام عنده وأقطعه الأخشيد ما يغل في كل سنة مائة ألف دينار واستقر بمصر وكان له من الولد طاهر بن الحسن وتوفي سنة تسع وعشرين وثلثمائة وخلف ابنه محمداً الملقب بمسام وكان صديقاً لكافور الأخشيدي صاحب مصر ولم يكن في زمنه بمصر أوجه منه‏.‏

ولما اختل أمر الأخشيدية دعا مسلم هذا للمعز صاحب إفريقية يومئذ‏.‏

ولما قدم المعز إلى الديار المصرية بعد فتح جوهر القائد لها تلقاه مسلم بالجمال بأطراف برقة من جهة الديار المصرية فأكرمه وأركبه معدلاً له واختص به ثم توفي سنة ست وستين وثلثمائة فصلى عليه المعز وكانت له جنازة عظيمة‏.‏

وكان من ولد مسلم هذا طاهر أبو الحسين فلحق طاهرٌ بالمدينة الشريفة فقدمه بنو الحسين على أنفسهم واستقل بإمارتها سنين وكان يلقب بالمليح وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وولي بعده ابنه الحسين بن طاهر وكنيته أبو محمد‏.‏

قال العتبي‏:‏ وكان موجوداً في سنة سبع وتسعين وثلثمائة وغلبه على إمارتها بنو عم أبيه أبي أحمد القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله واستقلوا بها‏.‏

وكان لأبي أحمد القاسم من الولد داود ويكنى أبا هاشم‏.‏

وقال العتبي‏:‏ الذي ولي بعد طاهر بن مسلم صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر وكناه أبا علي‏.‏

وقال ابن سعيد‏:‏ ملك أبو الفتوح الحسن بن جعفر من بني سليمان إمرة مكة والمدينة سنة تسعين وثلثمائة بأمر الحاكم العبيدي وأزال إمرة بني الحسين منها وحاول الحاكم نقل الجسد الشريف النبوي إلى مصر ليلاً فهاجت بهم ريحٌ عظيمة أظلم منها الجو وكادت تقتلع المباني من اصلها فردهم أبو الفتوح عن ذلك وعاد إلى مكة ورجع أمراء المدينة إليها‏.‏

وكان لداود بن القاسم من الولد مهنا وهانيء والحسن‏.‏

قال العتبي‏:‏ ولي هانيء ومهنا وكان الحسن زاهداً‏.‏

وذكر الشريف الحراني النسابة هنا أميراً آخر منهم وهو أبو عمارة مدة كان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة‏.‏

قال‏:‏ وخلف الحسن بن داود ابنه هاشماً وولي المدينة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من قبل المستنصر‏.‏

قال‏:‏ وخلف مهنا بن داود عبيد الله والحسين وعمارة فولي بعده ابنه عبيد الله وكان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة وقتله موالي الهاشميين بالبصرة ثم ولي الحسين وبعده ابنه مهنا بن الحسين‏.‏

قال الشريف الحراني‏:‏ وكان لمهنا بن الحسين من الولد الحسين وعبد الله وقاسم فولي الحسين المدينة وقتل عبد الله في وقعة نخلة‏.‏

وذكر صاحب حماة من أمرائها منصور بن عمارة الحسيني وأنه مات في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقام ولده مقامه ولم يسمه ثم قال وهم من ولد مهنا‏.‏

وذكر منهم أيضاً القاسم بن مهنا حضر مع صلاح الدين بن أيوب فتح أنطاكية سنة أربع وثمانين وخمسمائة‏.‏

وذكر ابن سعيد عن بعض مؤرخي الحجاز أنه عد من جملة ملوكها قاسم بن مهنا وانه ولاه المستضيء فأقام خمساً وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم‏.‏

قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه‏:‏ وكان مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في فتوحاته يتبرك به ويتيمن بصحبته ويرجع إلى قوله‏.‏

وبقي إلى أن حضر إلى مصر للشكوى من قتادة فمات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة‏.‏

وولي بعده ابنه شيحة وقتل سنة سبع وأربعين وستمائة وولي ابنه عيسى مكانه‏.‏

ثم قبض عليه أخوة جماز سنة تسع وأربعين وستمائة وملك مكانه وهو الذي ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف‏:‏ أن الإمرة في بيته إلى زمانه‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وفي سنة إحدى وخمسين وستمائة كان بالمدينة أبو الحسين بن شيحة بن سالم‏.‏

وقال غيره كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وستمائة‏.‏

وولي أخوه جماز فطال عمره وعمي ومات سنة أربع أو خمس بعد السبعمائة‏.‏

وولي بعده ابنه منصور بن جماز ثم وفد أخوه مقبل بن جماز على الظاهر بيبرس بمصر فأشرك بينهما في الإمرة والإقطاع ثم غاب منصور عن المدينة واستخلف ابنه كبيشة فهجم عليه مقبل وملكها من يده ولحق كبيشة بأحياء العرب فاستجاشهم وهجم المدينة على عمه مقبل فقتله سنة تسع وسبعمائة ورجع منصور إلى إمارته وبقي ماجد بن مقبل يستجيش العرب على عمه منصور بالمدينة ويخالفه إلى المدينة كلما خرج منها ثم زحف ماجدٌ سنة سبع عشرة وسبعمائة وملكها من يد عمه منصور فاستصرخ منصور بالملك الناصر محمد ابن قلاوون صاحب مصر فأنجده بالعساكر وحاصروا ماجداً بالمدينة ففر عنها وملكها منصور ثم سخط عليه السلطان الملك الناصر فعزله وولى أخاه ودي بن جماز أياماً ثم أعاد منصوراً إلى ولايته ثم هلك منصور سنة خمس وعشرين وسبعمائة فولي ابنه كبيشة مكانه فقتله عسكر ابن عمه ودي وعاد ودي إلى الإمرة ثم توفي ودي فولي طفيل بن منصور بن جماز وانفرد بإمرتها وهو الذي ذكر المقر الشهابي في التعريف‏:‏ أنه كان أميرها في زمانه وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فوقع النهب في الركب فقبض عليه الأمير طاز أمير الركب وولى مكانه سيفاً من عقب جماز ثم ولي بعده فضلمن عقب جماز أيضاً ثم ولي بعد فضل ماتع من عقب جماز ثم ولي جماز بن منصور ثم قتل بيد الفداوية أيام الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون واتفق أمراء الركب على تولية ابنه هبة من عقب ودي فعزل ودي وولي مكانه ثم ولي بعده عطية بن منصور بن جماز فأقام سنين ثم عزل وولي هبة بن جماز ثم عزل وأعيد عطية ثم توفي عطية وهبة وولي جماز بن هبة بن جماز ثم عزل وولي نعير بن منصور بن جماز ثم قتل فوثب جماز بن هبة على إمارة المدينة واستولى عليها فعزله السلطان وولى ثابت بن نعير وهو بها إلى الآن في سنة تسع وتسعين وسبعمائة‏.‏

وهو ثابت ابن جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن سالم بن قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا بن الحسين بن مهنا بن داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن وإمرتها الآن متداولة بين بني عطية وبين بني جماز وهم جميعاً على مذهب الإمامية الرافضة يقولون بإمامة الاثني عشر إماماً وغير ذلك من معتقدات الإمامية وأمراء مكة الزيدية أخف في هذا الباب شأناً منهم‏.‏

الجملة الرابعة في ترتيب المدينة النبوية أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية من المعاملة بالدنانير والدراهم والأمر في الفلوس على ما تقدم في مكة ويعتبر وزنها في المبيعات بالمن وهو مائتان وستون درهماً على ما تقدم في مكة ويعتبر كيلها بالمد وقياس قماشها بالذراع الشامي وأسعارها نحو أسعار مكة بل ربما كانت مكة أرخى سعراً منها لقربها من ساحل البحر بجدة‏.‏

وأما إمارتها فإمارة أعرابية كما في مكة من غير فرق‏.‏

وأما وفود الحجيج عليها فقد جرت العادة أن كل من قصد السبق في العود إلى الديار المصرية من الجند وغيرهم يزور النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهاب الركب إلى مكة ثم يعود بعد الحج إلى مصر من غير تعريج على المدينة وباقي الحجيج وأمير الركب لا يأتونها للزيارة إلا بعد انقضاء الحج‏.‏

واعلم أن كسوة الحجرة الشريفة ليست مما يجدد في كل سنة كما في كسوة الكعبة بل كلما بليت كسوة جددت أخرى ويقع ذلك في كل نحو سبع سنين أو ما قاربها وذلك أنها مصونة عن الشمس بخلاف كسوة الكعبة فإنها بارزة للشمس فيسرع بلاؤها‏.‏

وقد حكى ابن النجار في تاريخ المدينة أن أول من كسا الحجرة الشريفة الثياب الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح طلائع بن رزيك وزير العاضد والعاضد آخر الخلفاء الفاطميين عمل لها ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطرز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر مكتوب عليها سورة يس بأسرها والخليفة العباسي يومئذ المستضيء بأمر الله‏.‏

ولما جهزها إلى المدينة امتنع قاسم بن مهنا أمير المدينة يومئذ من تعليقها حتى يأذن فيه المستضيء فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصداً إلى بغداد في استئذانه في ذلك فأذن فيه فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين‏.‏

ثم بعث المستضيء ستارةً من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة وعلى دور جاماتها مرقومٌ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله فقلعت الأولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالكوفة وعلقت ستارة المستضيء مكانها‏.‏

ثم عمل الناصر لدين الله في خلافته ستارةً أخرى من الإبرسيم الأسود فعلقت فوق تلك‏.‏

ثم عملت أم الخليفة الناصر بعد حجها ستارةً على شكل ستارة ابنها المتقدمة الذكر فعلقت فوق الستارتين السابق ذكرهما‏.‏

قال ابن النجار‏:‏ ولم يزل الخلفاء في كل سنة يرسلون ثوباً من الحرير الأسود عليه علم ذهب يكسى به المنبر‏.‏

قال‏:‏ ولما كثرت الكسوة عندهم أخذوها فجعلوها ستوراً على أبواب الحرم ولم يزل الأمر على ذلك إلى حين انقراض الخلافة من بغداد فتولى ملوك الديار المصرية ذلك كما تولوا كسوة الكعبة على ما تقدم ذكره‏.‏

قلت‏:‏ والستارة الآن من حرير أسود عليها طرز مرقوم بحرير أبيض وآخر من عملها في العشر الأول من الثمانمائة السلطان الملك الظاهر برقوق‏.‏

وقد ذكر ابن النجار في تاريخ المدينة أيضاً أن الناصر لدين الله العباسي كان يرسل في كل سنة أربعة آلاف دينار للصدقة وألفاً وخمسمائة ذراع قطن لتكفين من يموت من الفقراء خارجاً عما يجهزه للعمارة وما يعده من القناديل والشيرج والشمع والند والغالية المركبة والعود‏:‏ لأجل تبخير المسجد‏.‏

وذكر عن يوسف بن مسلم أن زيت قناديل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل من الشام حتى انقطع في ولاية جعفر بن سليمان الأخيرة على المدينة فجعله على سوق المدينة‏.‏

ثم لما ولي داود بن عيسى في سنة ثمان وسبعين ومائة أخرجه من بيت المال ثم ذكر أنه كان في زمانه في خلافة الناصر لدين الله يصل الزيت من مصر من أوقافٍ بها سبعة وعشرين قنطاراً كل قنطار مائة وثلاثون رطلاً بالمصري ومائة وستون شمعة ما بين كبيرة وصغيرة وعلبةٌ فيها مائة مثقال ند‏.‏